الجزائر | أعلن وزير الداخلية الجزائري، دحو ولد قابلية، النتائج المؤقتة للانتخابات البرلمانية التي جرت أول من أمس، كاشفاً عن أن صناديق الاقتراع أفرزت نتائج غير متوقعة في غالبها، إذ مني الإسلاميون بهزيمة غير مسبوقة منذ بداية مشاركاتهم في الانتخابات عام 1991. وحصلوا مجتمعين على 58 مقعداً من مجموع 462 مقعداً جرى التنافس حولها. وعززت جبهة التحرير الوطني، حزب الغالبية، مكانتها في قيادة البرلمان، بنيلها 220 مقعداً مقابل 136 مقعداً عام 2007، كما رفع حزب التجمع الديموقراطي للوزير الأول أحمد أو يحيى، حصته إلى 68 مقعداً بعدما كان في الفترة الماضية 61 فقط. وتراجعت أحزاب «تكتل الجزائر الخضراء» الإسلامية من مجموع 60 مقعداً عام 2007 إلى 48 فقط. وبذلك واصل التيار الاسلامي تراجعه للفترة النيابية الثانية على التوالي، بعدما كانت نتائج عام 2007 قد جاءت أقل عن تلك التي سجلها عام 2002.
نتيجة جبهة القوى الاشتراكية جاءت مخيبة أيضاً. ولم تحصل سوى على 21 مقعداً بزيادة مقعدين عن انتخابات 1997، مع أن العدد الاجمالي لمقاعد البرلمان زاد بنحو مئة مقعد. وتراجع حزب العمال التروتسكي الذي تقوده الويزة حنون، من 26 مقعداً في الفترة النيابية السابقة إلى 20 فقط هذه المرة. في المقابل، ارتفع عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان إلى 27 حزباً بعدما كان 21 في الفترة المنقضية، لكن حضور معظم التشكيلات السياسية يبقى شكلياً بسيطرة القوى التقليدية وهي جبهة التحرير، حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتجمع الديموقراطي التابع لرئيس الوزراء.
لكن الأهم في هذه الانتخابات بالنسبة إلى النظام القائم هو المشاركة المسجلة التي قاربت 43 في المئة، وهي نتيجة فاجأت حتى أكثر المتفائلين، ولا سيما أن التوقعات لم تكن ترجح أن تتجاوز نسبة الـ 36 في المئة المسجلة عام 2007. ورأى وزير الداخلية، في كلمة افتتاحية قبل اعلان النتائج، أن هذه النتيجة باهرة، وقال إنها تعبر عن نضج الشعب الجزائري وحسه المدني والوطني، وسعيه إلى إحداث تغيير سلمي. وأوضح أن نسبة الامتناع وهي بحدود 57 بالمئة تبقى كبيرة، لكن انتخابات هذه المرة سجلت خطوة مهمة بالقياس الى سابقتها. وأرجع ولد قابلية ارتفاع نسبة المشاركة إلى عاملين رئيسيين، أولهما أن جزائر 2012 ليست جزائر 2007، حيث حققت البلاد منجزات كبيرة رآها الناس وأحسوا بها ويريدون الاستمرار فيها ودعمها. أما العامل الثاني المهم، فمرده إلى التدخلات المباشرة لبوتفليقة، الذي طلب من الشعب المشاركة في الانتخاب ووعد بإحداث تغييرات نوعية، ولا سيما في الخطاب الذي ألقاه في مدينة سطيف الثلاثاء الماضي، وأكد فيه نهاية فترة حكم القادة التاريخيين، وحلول موعد تسليم المشعل للجيل الجديد. ورجح ولد قابلية أن يكون لكلمات الرئيس هذه وقع كبير على الناخبين، فقرروا المشاركة. ووصف وزير الداخلية الانتخابات والإقبال الكبير بـ «ربيع ديموقراطي جزائري أصيل ومن طراز خاص» عزز الوحدة الوطنية وفتح المجال أمام حقبة جديدة من التطور. واستطرد في عبارات التفاؤل لما بعد هذه الانتخابات، مشيراً إلى أنها ستمثّل فترة فاصلة في تاريخ البلاد، تبدأ معها اصلاحات حقيقية وعميقة في كنف السلم والطمأنينة. وأكد أن الانتخاب جرى في صناديق شفافة وبحضور 180 ألف ممثل للأحزاب المشاركة، فضلاً عن الملاحظين الدوليين. واعترف بحدوث مناوشات في بعض المناطق، لكن قال إنها خفيفة ولم تؤثر بأية حال من الأحوال لا في النتيجة ولا في الأداء.
وقبل اعلان النتائج بقليل، عقد عبد الرزاق مقري، نائب رئيس حركة مجتمع السلم (الإخوان)، مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه وقوع تجاوزات كبيرة في بعض الولايات. وتحدث عن «تلاعبات كبيرة بالنتائج»، اتهم بها الادارة التي يرى أنها انحازت لجبهة التحرير والتجمع الديموقراطي. وتوعد بـ «اتخاذ الاجراءات المناسبة بعد التشاور مع الحلفاء لمواجهة الموقف». وقال «علمنا أن هناك أجهزة على المستوى المركزي تغير النتائج التي تأتي من الولايات، وتكيفها مع ما يعطي النتائج التي تريدها». وحمّل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مسؤولية هذا الوضع، لكن يرى المتابعون أن ما قاله مقري مجرد كلام للاستهلاك الداخلي، المعني الأول بها الأحزاب المشكلة لحلف «الجزائر الخضراء» الاسلامي، المنهزم الأكبر في هذه الانتخابات. وينتظر أن يرفع التكتل الإسلامي وبعض القوى الأخرى التي لم تقتنع بالنتائج طعوناً الى اللجنة العليا المشرفة على الانتخاب، وهي هيئة مستقلة تتكوّن من قضاة على علاقة مباشرة مع المحاكم للنظر فيها وفك النزاعات خلال الأيام العشرة المقبلة، وبعدها يعلن المجلس الدستوري النتائج النهائية وينصب البرلمان الجديد، لكن مهما كان حجم الطعون، فإنه بالتأكيد لن يحدث تغييراً مؤثراً على لون البرلمان المقبل، وهو «وطني» حسب التعبير الجزائري، أي غير اسلامي وغير علماني صريح.
وبالنظر إلى النتيجة المسجلة، فإن جبهة التحرير والتجمع الديموقراطي سيستمران في «الحلف لرئاسي» الذي يتبنى برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الانتخابي، ويقود إصلاحاته ولم يعد بحاجة إلى التحالف مع الاسلاميين، الذين عملوا في الحكومة 15 عاماً قبل أن ينسحبوا في الأسابيع الماضية استعداداً لهذه الانتخابات، لاعتقادهم أن رياح الربيع العربي ستحملهم للفوز وقيادة البلاد، كما حدث في تونس ومصر والمغرب، حيث اكتسح الاخوان والاسلاميون عموماً الساحة السياسية وفازوا بالأغلبية.
إلى ذلك، أعلن الناطق باسم بعثة المراقبين التابعة للاتحاد الأوروبي، انياسيو سانشيز سالافرانكا، «أن الانتخابات جرت عموماً في ظروف عادية ولم يحدث ما يمكن أن يؤثر في سلامتها». وأضاف «لاحظنا توافر الإمكانات على نحو جيد وعمل المشرفين على الانتخاب كان يجري بطريقة مقبولة»، خاتماً حديثه بالقول «الانتخابات، بحسب المعلومات المتوافرة لدينا، سليمة».



الانتخابات بالأرقام


- عدد المسجلين على القوائم الانتخابية 21664348
- المصوتون 9178056 أي بنسبة 42.36 بالمئة
-الممتنعون:12486292
- الأصوات الصحيحة : 7509549
- الأصوات الملغاة (صوّت أصحابها بمغلف فارغ دون اختيار أية قائمة) 1668507
-عدد المرشحين: 25800، 44 في المئة منهم يحملون شهادات جامعية بينهم 7647 امرأة 52 بالمئة منهن جامعيات مقابل 12200 مرشح ومرشحة عام 2007.
- عدد مكاتب الاقتراع 56 ألفاً
- عدد الأحزاب والتكتلات التي قدمت قوائم : 44 يتنافسون على 462 مقعداً مقابل 389 في الفترة البرلمانية السابقة، لفترة نيابية من 5 سنوات
- لجنة مراقبة الانتخابات تتكون من 316 من أبرز قضاة الجمهورية ولها فروع في كل المحافظات.
- عدد المراقبين الممثلين للمرشحين: 188000 مراقب
- عدد الملاحظين الدوليين 500
- عدد الصحافيين الذين غطوا العملية: 813 حسب المركز الدولي لصحافة
سهر على عملية الانتخاب على نحو مباشر 400 ألف موظف اداري و60 ألف شرطي مع وضع 40 ألفاً آخرين تحت التصرف
إعداد 100 ألف علبة من الحبر الفوسفوري الذي يستعمل في بصمة الناخبين.