القاهرة | هي لحظة استثنائية في تاريخ البيروقراطية المصرية تلك التي اضطرت فيها أعلى مستوياتها إلى الاستفتاء على من يحب أن يقفز من السفينة لينقذها من الغرق. هكذا بدا الأمر على الأقل في اجتماع مجلس الوزراء، الذي انتهى بالتعديل الوزاري المحدود في أربع من الوزارات غير السيادية. فما حدث، بحسب ما سربه أحد الوزراء الأربعة المستقيلين، شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن رئيس الوزارء، كمال الجنزوري، الذي يواجه مطالب بإقالة حكومته من قبل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين، فاتح وزراءه في الاجتماع بضرورة اجراء تعديل وزاري. ونقل الوزير عن الجنزوري قوله: «البلد في أزمة ونريد تجاوزها... وأطالب من يحب أن يبادر ويترك منصبه بأن يرفع يده»، ليطيح التعديل الوزاري بكلٍ من وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى محمد عطية، ووزير التعليم العالي حسين خالد، ووزير الثقافة شاكر عبد الحميد، ووزير القوى العاملة والهجرة فتحي فكري. في المقابل، أدى اليمين الدستورية الوزراء الأربعة الجدد وهم عمر سالم وزيراً لشؤون مجلسي الشعب والشورى وعبد الحميد النشار وزيراً للتعليم العالم ومحمد صابر عرب وزيراً للثقافة ورفعت محمد حسن وزيراً للقوى العاملة.
إلّا أن هذه التعديلات لم تنل رضا جماعة الاخوان المسلمين، اذ قال عضو مكتب ارشاد الجماعة والمتحدث باسمها، محمود غزلان، لـ«الأخبار» إن جماعته تنظر للتعديل على أنه «شكلي في محاولة لتخفيف الاحتقان والضغط على الحكومة». وأوضح أن جماعته باتت مقتنعة بعدم جدوى مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة باقالة الحكومة واستبدالها بحكومة ائتلافية، لافتاً إلى أن «المجلس العسكري مصر على الابقاء عليها كما يبدو. كما أنه لم يبق إلّا نحو شهرين (على نهاية الفترة الانتقالية)».
ونفى غزلان أي علاقة سابقة بين الجماعة ووزير شؤون مجلسي الشعب والشورى الجديد، فيما ينظر لوزير الثقافة الجديد محمد صابر عرب، على أنه أحد رموز ما يسمى «تيار التنوير» ولا يرتبط بأي علاقة مع الاسلاميين.
وفي السياق، أكد الأمين العام للمجلس الاعلى للثقافة التابع للوزارة، سعيد توفيق، لـ «الأخبار» أن «التعديل الوزاري لا يستهدف بصورة خاصة وزارة الثقافة لإرضاء الاسلاميين». كذلك نفى محاولاتهم الهيمنة المباشرة على وزارته. لكن محاولات التأثير تأتي من خارج الوزارة، فمثلاً تتفاوض مع لجنة الثقافة في مجلس الشعب، حول صياغة «ميثاق للابداع» بحيث يضم إلى الدستور الجديد.
أما في ما يتعلق بخروج وزيري التعليم العالي والقوى العاملة، فبدا أن جملة المشاكل التي واجهها الوزيران كانت وراء قرارهما بالاستقالة. وبالرغم من أن وزير التعليم العالي استطاع انتزاع ملياري جنيه اضافيين لموازنة الجامعات لتلبية مطالب أساتذة الجامعات برفع الأجور قبل ساعات من التعديل الوزاري، بقيت أمامه عاصفة من الاعتراضات من تيار استقلال الجامعات على خلفية المخاوف من اتاحة مشروع قانون الجامعات المجال أمام خصخصتها وعدم تحقيق مطالب استقلالها.
لكن تعيين الوزير الجديد ربما يفجر احتجاجات واسعة في الجامعات ضده لأنه كان عضواً في أمانة السياسات في الحزب الوطني المنحل، وواجه حكماً قضائياً بإبطال رئاسته لجامعة حلوان على خلفية تلاعب في الانتخابات قبل أن يعيد وزير التعليم العالي السابق معتز خورشيد، تعيينه في منصبه.
من جهته، بدا أن وزير القوى العاملة المستبعد اضطر لترك منصبه على خلفية ضغوط المئات من الاضرابات، وصلت لحد اضراب موظفي الوزارة أنفسهم ومنعه من دخول مقر عمله.