دمشق | استفاق سكان العاصمة السورية دمشق صباح أمس على صوت تفجرين إرهابيين. العديد من سكان المناطق المختلفة، وضواحي العاصمة دمشق، أكدوا لـ«الأخبار» أن التفجير الذي استهدف منطقة «القزاز» هو «أكبر وأضخم التفجيرات التي استهدفت كافة المناطق السورية، منذ بداية سلسلة التفجيرات الإرهابية وحتى الآن». هذا ما أكدته أيضاً، حالة الرعب والخوف التي عمت الكثير من مناطق قريبة من منطقة الانفجار، الذي تسببت قوته في اهتزاز أبنيتها بشكل عنيف.
في منطقة الحجر الأسود الشعبية الفقيرة جنوب العاصمة دمشق، التي تبعد نحو 5 كيلومترات عن مركز الانفجار، اعتقد مجمل قاطنيها أن التفجير استهدف منطقتهم، وانتشرت شائعة بسرعة كبيرة، بين الأهالي أن حي المدارس الذي يضم مجمل المدارس لمختلف المراحل الدراسية، قد نسف بالكامل. «هل لك أن تدرك حجم الرعب والخوف الذي عم البيوت والشوارع والأزقة؟ جميعنا لنا أبناء وأطفال يرتادون هذه المدارس يومياً. ركضت بشكل هستيري حافي القدمين أرتدي ملابس النوم في الشوارع، حتى وصلت إلى مدرسة ابنتي لأعيدها إلى البيت، في حال مشابهة لمجمل سكان المنطقة»، يقول أبو نورس الرجل الأربعيني الذي اختلطت مشاعره أثناء كلامه بين الخوف والغضب والحزن.
«بغض النظر عن الجهة القذرة التي نفذت التفجيرات، أو عن الجهة الدموية الإجرامية المستفيدة من دماء وأشلاء الشهداء، بتنا جميعاً نفتقد الأمان، سواء كنا موالين أو معارضين للنظام الحاكم»، فضل أبو نورس عدم توجيه الاتهامات إلى أي جهة كانت بارتكاب تفجيرات حي القزاز، كما تعود على سماعها من جيرانه وأصدقائه في الحي لدى حصول تفجيرات إرهابية، في مختلف المدن السورية.
«المعارضون للنظام الحاكم في سوريا، سرعان ما يوجهون أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية، بحجة أن مثل هذه التفجيرات تحقق مكاسب سياسية أمام الرأي العام، وتؤكد فكرة وجود عصابات إرهابية مسلحة. أما المؤيدون للنظام فهم على يقين تام أن من خطط ونفذ جملة هذه التفجيرات، هم العصابات الإرهابية المسلحة والمدعومة من عصبة الدول المتآمرة على سوريا ونظامها الحاكم الممانع والمقاوم»، لكن تبقى مشاهد الرعب والدماء والأشلاء المتطايرة، التي عاشتها منطقة التفجير، ومجمل المناطق المجاورة لها، أكبر وأقسى وأعنف من مجمل التحليلات والاستنتاجات جميعاً. «من المسؤول عن أمننا وسلامتنا نحن الفقراء؟ حتى لو كانت هناك مؤامرة كونية أو كائنات مريخية تحارب النظام الحاكم في سوريا، يجب أن تنقل أبنية جميع الفروع الأمنية إلى خارج العاصمة دمشق، بعيداً عن الأحياء الفقيرة»، يقول احد السكان الغاضبين.
فصول الرعب والخوف التي خلفتها تفجيرات أمس، امتدت إلى مناطق بعيدة عن مكان حدوثها. الصحافي السوري عمر الشيخ (26 عاماً) عاش صباح أمس كابوساً حقيقياً، حاله مثل حال الكثير من العائلات السورية، «أصيبت عائلتي المقيمة في حي نهر عيشة بالذعر المفرط، وما أكمل المشهد قسوة وتوتر هو التفجير الثاني الهائل، الذي يبعد عنا نحو 15 كيلومتراً. كالعادة كان أخي الكبير يغادر البيت إلى عمله في مدينة الأرض السعيدة وأختاي تعملان إداريتين في مدارس للأطفال». أصيب الشيخ بحالة عجز تام، بسبب انشغال شبكة الهواتف الخلوية، وفي حال تمكنه من إجراء الاتصال، كان يجد جوالات أفراد أسرته خارج التغطية، أو كانت ترن بلا مجيب. أكثر شيء أصابه بالرعب هو توقيت التفجيرين اللذين تزامنا مع تجمع طلاب المدارس والجامعات ولحظة ازدحام الطريق بالسيارات. «للحظة كنت أفكر بالجلوس في غرفتي للأبد، بانتظار معجزة إلهيه لحل هذه الكارثة الإرهابية، التي ارتبطت بالمسلسل اليومي لحياتنا السورية، لم أفكر بأحد إلا بالأرض المسكينة التي طافت دماء أولادها رخيصة على الجميع..!!».
حاول السيناريست والمخرج المسرحي السوري أحمد كنعان (43 عاماً) إخفاء غضبه وحنقه وهو يتابع مشاهد دماء وأشلاء شهداء التفجيرات الأخيرة «لا جديد في الأمر، سوى انضمام أسماء جديدة إلى قافلة الشهداء. فمسلسل التفجيرات بدأ منذ زمن، ويبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، لأنه توغل بالوحشية والقتل الأعمى». واعتبر أيضاً أن التفجيرات الأخيرة ومجمل التفجيرات السابقة ما هي إلا «محاولة يائسة لكسر إرادة الشعب السوري، الذي اتخذ موقفاً رافضاً لكل أشكال التسلح والعصيان المسلح، وهذه العمليات الإرهابية التي تدين كل من لا يدينها، لا تعبر إلا عن الخواء الروحي والفكري، للمخططين والمنفذين والداعمين، سواء بالمال أو بأي شكل آخر».
حاول الكاتب السوري الربط بين تفجيرات القزاز، ومجمل التحليلات التي أطلقها المجلس الوطني السوري المعارض بالتزامن مع التفجيرات، وإعلانه عن أن النظام السوري يقف وراء هذه التفجيرات، لأنه المستفيد منها، معتبراً مجمل هذه القراءات، والقراءات والتحليلات المشابهة «مثيرة للشفقة، حيث إن المطلوب من هذه التفجيرات هو هز ثقة الشعب بثبات النظام، ولن يستفيد النظام من اهتزاز هذه الثقة، وهذا الأسلوب الجبان ليس جديداً على الشعب السوري، فالكل يعرف من الذي يستخدمه منذ الثمانينيات، ولعل مروراً سريعاً على أغلب وجوه مجلس اسطنبول يذكرنا بأسوأ الذكريات عن تفجير وسائط النقل وعملية الأزبكية وغيرها من الذكريات البغيضة والتي تشبه إلى حد بعيد ما يحدث اليوم».
ربما العبارة التي افتتح بها المسرحي السوري سعيد محمود (35 عاماً) تلخص إلى حد ما مأساوية ودموية الوضع الذي بات يعيشه السوريون بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية عندما قال «استيقظ الدمشقيون صباح الخميس على انفجارات مهولة... استيقظوا ليدركوا أن أجساد السوريين أصبحت وقوداً لكافة أطراف النزاع». يتوقف سعيد كثيراً عند المشاهد الدموية التي يعرضها الإعلام السوري الرسمي، ومن في حكمه من الإعلام الخاص، فور حدوث انفجارات مشابهة لتفجيرات منطقة القزاز، ويستمر عرضها لفترات طويلة على مدار اليوم. «مسؤولو الرقابة في التلفزيون السوري، لا يتوانون عن حذف أي مشهد أو جملة أو كلمة من مسلسل ما، قد يعتبرونها غير لائقة، أو خارجة عن سياق التقاليد الاجتماعية، حرصاً على المُشاهد ومشاعره، لكنهم في نفس الوقت يبدعون في عرض أمعاء وأشلاء الشهداء على الفضائيات بعد كل تفجير!».
واعتبر سعيد أن هذه التجاوزات في عرف الصحافة والإعلام العالمي «لا تفيد في شيء سوى تعميق الجرح وتكريس الحقد لدى كل طرف». يستذكر الكاتب السوري بداية انطلاقة الأحداث السورية «كان الرعب والقلق يخيمان على كامل المنطقة التي تخرج فيها تظاهرة ما، أو كامل الحي الذي يُسمع فيه إطلاق رصاص، أما الآن، فإن الكثيرين يتناولون طعامهم أثناء متابعة الأشلاء والأجساد التي مزقتها التفجيرات. إلى أين نذهب؟ وأية ثقافة يتم تكريسها؟». في نهاية حديثه يطرح العديد من الأسئلة المعذبة التي ربما تدور في أذهان الغالية العظمى من المواطنين السوريين «ما الذي يتبقى من طفولة فتاة ترى أمعاء والدها على الفضائيات؟ ما الذي يتبقى من إنسانية امرأة ترى زوجها متفحماً في سيارته؟».