القاهرة | أحداث يومين ما كانت لتجري إلا «بألف عام مما تعدون» قبل الثورة. فقد توارت أخبار الاشتباكات بالقرب من ميدان العباسية، التي وقعت فجر أمس، بسرعة ليحتل موقعها خبر تعليق مجلس الشعب لاجتماعاته احتجاجاً على استمرار الحكومة، واعتراضاً على الاتفاق الذي تم التوصل إليه على معايير إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد.
وبين الاشتباكات وغضب الإخوان، احتفظت العلاقات المتدهورة بين مصر والسعودية بموقعها في الأنباء، بعدما أعلنت السعودية استدعاء سفيرها وإغلاق سفارتها وقنصليتيها في مصر احتجاجاً على «التظاهرات والاحتجاجات غير المبررة، التي حدثت أمام بعثات المملكة في جمهورية مصر العربية، ومحاولات اقتحامها وتهديد أمن وسلامة منسوبيها من الجنسيتين السعودية والمصرية، ورفع الشعارات المعادية».
فالمملكة تضم ما يقارب من مليوني عامل مصري، بحسب ما قال وزير الخارجية محمد كامل عمرو، أمام مجلس الشعب، أمس، وهو ما يفسر ميل حكومته والمجلس العسكري إلى احتواء أزمة استدعاء المملكة سفيرها من العاصمة المصرية. ولفت عمرو إلى أن مشاكل المصريين هناك قليلة نسبياً، بالرغم من أن الأزمة كان قد فجرها اعتقال الناشط المصري أحمد الجيزاوي، وبالرغم من الانتقادات الحقوقية لاستمرار تطبيق السعودية نظام الكفيل.
موقف عمرو، وحتى اتصال رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، قابله أيضاًَ إصدار حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، المهيمن على أكثرية مقاعد البرلمان بغرفتيه، بياناً أول من أمس بعنوان «العلاقات المصرية السعودية أكبر من أي مشكلة».
وحسابات السلطات المصرية تجاه المملكة لا تقتصر على الخشية من أي أذى قد يلحق بالعمالة المصرية، إذ تنتظر القاهرة من الرياض قروضاً خلال العامين الماليين الحالي والمقبل للمساهمة في سد عجز الموازنة، بالرغم من أن مساهمة السعودية في الدين العام الخارجي لمصر هامشية للغاية. فمصر مدينة لها بنحو 307 ملايين دولار أميركي من أصل نحو 35 مليار دولار هو إجمالي الدين العام الخارجي لمصر.
لكن الفيصل ربما في العلاقات بينهما هو الاستثمارات السعودية في مصر. فالمملكة هي أكبر مستثمر أجنبي في مصر، إذ بلغ حجم استثماراتها نحو خمسة مليارات و550 مليون دولار. وبلغ عدد شركاتها 2769 شركة، وفقاً لتصنيف يستند إلى الشركات التي جرى تأسيسها من بداية 1970، العام الذي شهد إنشاء الهيئة العامة للاستثمار، الى 29 آذار الماضي. واللافت أن المملكة التي يهيمن عليها المذهب الوهابي المحافط قد استثمرت في السياحة في مصر نحو 927 مليون دولار. وهو ما دفع رئيس لجنة الاستثمار في اتحاد الصناعات عادل العزبي، في حديث مع «الأخبار»، إلى ترجيح سرعة احتواء القاهرة للأزمة مع الرياض.
في غضون ذلك، لم يتأخر رد المجلس العسكري على الأزمة التي تصاعدت مع الإخوان، ومن خلفهما مجلس الشعب على خلفية إصرار الجماعة على إقالة الحكومة. وقال الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين إن رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي «أبلغ رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني بأنه سيعيد تشكيل الحكومة خلال ساعات»، فيما أوضح عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، مصطفى الغنيمي، لـ«الأخبار» أن مجلس الشعب «لا يزال في جعبته الكثير للضغط لإقالة حكومة الأزمات تلك». وأضاف «في ما يتعلق برفض استمرارها، لسنا وحدنا أصلاً... ففي نفس المعسكر تقف بقية الأحزاب في البرلمان».
من جهةٍ ثانية، لفت عضو مكتب الإرشاد في «الإخوان» إلى أن جماعته قد تضطر إلى الانسحاب من الجمعية التأسيسية إذا استمر ما سمّاه «إصرار الأقلية على التحكم بمصيرها»، في إشارة إلى الاتفاق الذي جرى بين الأحزاب والمجلس العسكري، أول من أمس، حول معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، وسط إصرار الغنيمي على أن يحتفظ مجلسا الشعب والشورى باليد العليا فيها.
معايير تشكيل الجمعية تضمنت في الأساس تولي الأحزاب ترشيح الشخصيات الحزبية والمؤسسات الدينية شخصياتها، فضلاً عن اختيار عشرة من أصحاب الخبرات القانونية وعضو واحد من كل هيئة قضائية وعضوين عن العمال ومثلهما عن الفلاحين، إلى جانب شخصيات عامة من النساء والطلبة والمعاقين. كما تضمنت المعايير إقرار بنود الدستور بالتوافق أو بالتصويت بنسبة الثلثين (67 عضواً)، وإذا لم تصل النسبة إلى الثلثين يتم التصويت في جلسة أخرى خلال 24 ساعة بنسبة 57 في المئة.
وإلى جانب الخلافات حول الحكومة والدستور، أبرزت أحداث العباسية حضوراً «ثورياً» نسبياً بين شباب الإسلاميين، كونهم المهيمنين على الاعتصام بالقرب من وزارة الدفاع والذي يضم عدة آلاف. واللافت كان تبنيهم قائمة مطالب لا تضم تطبيق الشريعة الإسلامية من قبيل «تعديل المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات من الطعن، وحل اللجنة نفسها بتشكيلها الحالي، وإسقاط حكم العسكر عبر تولي حكومة تشكلها الأغلبية النيابية وإجرائها الانتخابات الرئاسية تحت إشرافها»، حسبما يقول عبد الرحمن عز، الناشط في حركة «ثوار بلا تيار» لـ«الأخبار».
وبالرغم من قيادة أنصار المرشح السلفي المستبعد من الانتخابات الرئاسية، حازم صلاح أبو اسماعيل، للاعتصام، إلا أن المطالب بإعادته إلى السباق الرئاسي أخذت تخفت نسبياً، ولا سيما أن الرجل لم يعقّب على الاعتداءات عليهم، بل أصدر بياناً أول من أمس يهاجم فيه الاجتماع الذي عقد بين طنطاوي والأحزاب السياسية.