«هو ليس مجرّد فسخ عقد تجاري بين مصر وإسرائيل، فاتفاق الغاز لم يكن يوماً على الغاز فحسب»... قد تلخّص هذه العبارة لأحد الصحافيين الأميركيين ما أراد البعض قوله عقب إعلان مصر وقف صادرات الغاز لإسرائيل، وبالتالي حرمان إسرائيل ٤٠٪ من حاجتها منه. بعض المحللين الاميركيين رأوا في القرار المصري دلالات سياسية واستراتيجية كثيرة وخطيرة، فيما دخل البعض الآخر في «اللعبة الاسرائيلية»، فقللوا من شأن ما حصل، وأرجعوه إلى أسباب اقتصادية بحتة، وآخرون أقرّوا بالشق الاقتصادي من الأمر، لكنهم لم يتجاهلوا الأبعاد السياسية للقرار، وتأثيره على مستقبل العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية.

لكن هل سيعود ضخ الغاز مجدداً لإسرائيل مع انتخاب رئيس جديد لمصر؟ لماذا قررت حكومة العسكر أن تفض الاتفاقيات التجارية بشأن الغاز الآن؟ ماذا عن تعهدات الاخوان المسلمين بإبقاء اتفاقية السلام بين البلدين؟ علام يدل الموقف الاسرائيلي الذي ادعى التفاؤل وحجّم المسألة؟ ماذا عن مخاوف واشنطن من القرار المصري؟ أسئلة كثيرة طرحها المتابعون الاميركيون من الصحافيين، والأجوبة دلّت بمعظمها على شعور عام بأن «السلام البارد» بين إسرائيل ومصر سيزداد برودة، وأن العلاقات الثنائية لن تعود الى سابق عهدها.
«اتفاق الغاز لم يكن يوماً على الغاز فقط. أنابيب الغاز الممدودة بين البلدين هي الرابط الواقعي الذي يجمع أعداء الأمس، وأحد المظاهر الحسية النادرة على إبرام معاهدة عام ١٩٧٩ للسلام بين البلدين»، يقول كارل فيك وأبيغيل هاوسلونر في مقالهما في مجلة «تايم» الأميركية. الكاتبان يتخطيان «الرواية الرسمية» التي تقول إن الأمر هو «بزنس وحسب»، ويفنّدان معاني وقف اتفاق الغاز وتأثيره على السلام المصري ـــــ الإسرائيلي. وانطلاقاً من أن «لا أحد يستطيع تحجيم التوتر المتصاعد بين إسرائيل ومصر»، يشرح فيك وهاوسلونر أن «الغاء اتفاق الغاز يعدّ كارثياً لأساس الصيغة الامنية للدولة اليهودية، كما أنه يهدد أيضاً السلام مع إحدى أكبر وأقوى الدول العربية، هي الدولة التي شاركت في كل حرب خاضتها دولة اخرى ضد إسرائيل». مقال «تايم» يشرح الأسباب الاقتصادية المعلنة لفسخ عقود الغاز، لكنه ينقل أيضاً عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي قوله إن «خلفية السبب الاقتصادي هي رفض الشعب المصري لأي عقد أو اتفاق مع إسرائيل»، كما ينقل من الجهة المصرية الفكرة القائلة «إن المصريين وجدوا حجّة أخيراً لفسخ الاتفاق مع إسرائيل، فالشعور بالكره تجاه إسرائيل لم تلغه اتفاقية السلام». الكاتبان يشيران أيضاً الى شعور المصريين بالإهانة بسبب الفساد ونهب الاموال الذي لحق بتطبيق اتفاقية الغاز في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن، ماذا بعد؟ يخلص فيك وهاوسلونر الى أن «كل شيء مرهون بنتائج ما بعد الانتخابات الرئاسية الجديدة. فالمجلس العسكري لم يرد أن يقدم عل خطوة غير مؤيدة شعبياً بإنقاذ اتفاقية الغاز مع إسرائيل».
مقال الـ «تايم»، كما مقالات اخرى، ذكر معلومة إضافية تشير الى التوتر القائم بين المصريين والاسرائيليين، وهي «الوجود الرمزي للدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة، حيث بات من الصعب إيجاد مقرّ أو شقة تؤويهم، فيقضون معظم الوقت في إسرائيل». جيفري فليشمان في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» وديفيد كيركباتريك في «نيويورك تايمز» يتوقفان عند التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ سقوط نظام مبارك، وكيف أن «اللياقة الدبلوماسية تحولت الى عناوين محرجة ونكات نزقة حول تصاعد حدّة التوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل». الصحافيان يذكّران بحادثة الحدود التي أوقعت قتلى مدنيين وعسكريين من الجانب المصري، ثم حادثة الاعتداء على السفارة الاسرائيلية في القاهرة، وبعدها سلسلة التفجيرات التي استهدفت أنابيب الغاز المتجهة الى الاراضي الاسرائيلية، والكشف عن الفساد اللاحق بتنفيذ اتفاق تصدير الغاز المصري الى إسرائيل منذ أيام العهد السابق... ويخلصان الى التأكيد أن «الأجواء محقونة بالإثارة والريبة» لدرجة يبدو فيها مستبعداً وغير جاد الحديث عن استعداد مصري لمناقشة الاتفاق مجدداً، أو أي تفاؤل إسرائيلي باستعادة مفاعيل الاتفاقية بعد الانتخابات.
رغم ذلك، يشير كيركباتريك، في نهاية مقاله، الى أن «كل الاطراف المصرية، وبينها الاخوان المسلمين، تعهدت إبقاء معاهدة السلام مع اسرائيل، رغم رفض الجميع لاتفاقية الغاز». من جهته يخلص فليشمان إلى أنه «بغض النظر عن من سيفوز في الانتخابات المصرية المقبلة، فإن إرث مبارك في التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة سيعاد النظر فيه».

متوقّعة لكن مفاجئة
وفيما يرى سايمون هاندرسون وديفيد شانكر أن الخطوة المصرية «كانت متوقعة»، لا يحاولان إخفاء «مفاجأتهما» من إعلانها. المحللان يشرحان على موقع «معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى» أن قرار وقف تصدير الغاز المصري الى إسرائيل «يمثل قلقاً مباشراً لواشنطن، ليس لأنه يهدد اتفاقية السلام فقط، بل أيضاً لكونه سيؤجج الخلافات والمشاكل في المنطقة حول احتياطي الغاز بين الدول».
ومن بين تلك الخلافات، يذكر الكاتبان مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وتوتر العلاقات بين تركيا وقبرص بعدما طورت الاخيرة تعاونها مع إسرائيل، اضافة الى لجوء الاردن للغاز القطري... هاندرسون وشانكر يذكّران بأن «الولايات المتحدة تكافح من أجل الابقاء على تأثير ما لها في الصراع السياسي الداخلي المصري، والحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل التي كانت نقطة محورية في سياساتها في المنطقة. وها هو احتياطي الغاز يضيف مجموعة جديدة من التحديات أمام واشنطن. وتصرف مصر المخيّب للآمال يجعل الشأنين مترابطين بعضهما ببعض».
«أرى أن تلك إشارة إلى تحول السلام البارد بين البلدين الى أبرد»، ينقل ستيف لو فاين في «فورين بوليسي» عن البروفيسور دانيال بايمان. لو فاين يؤكد أن «السياسات الاقليمية أسهمت في إلغاء اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل»، لكنه يستفيض من جهة اخرى في شرح تفاصيل الفساد والضبابية التي شابت تنفيذ الاتفاق في عهد مبارك، ليرجّح أيضاً نظرية «الاسباب الاقتصادية» وراء إلغائه.
وفيما قلل جوناثان توبان، في «ذي كومنتري»، من أهمية الحجة الاقتصادية والمالية التي أعلنتها اسرائيل، الا أنه عاد وحيّا الموقف التفاؤلي لوزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي قال إنه «مجرد خلاف بزنس». توبان، يثني على محاولة ليبرمان بثّ الأمل في إنقاذ اتفاقية السلام مع مصر، فيما كان متوقعاً أن يكون الوزير صدامياً، لكن الكاتب يعود الى تشاؤمه ويخلص الى التنبيه من «تدهور وضع اتفاقية السلام، المجمّدة أصلاً». توبين يلفت الى ان الاسلاميين قد يبقون على معاهدة السلام للحفاظ على المساعدات المالية الاميركية لبلادهم، لكن «لا شك في أن العدائية المصرية تجاه إسرائيل ستزداد وتسوء أكثر فأكثر».
من جهته، يسأل دان مورفي، على موقع «كريستيان ساينس مونيتور»، عن كيفية اتخاذ هذا القرار، هل اتخذه المجلس العسكري؟ هل اعتمدوا على طلب مرفوع من مسؤول رفيع في وزارة الطاقة؟ ثم يؤكد «في جميع الاحوال، كان ذلك مطلباً دعمته كل الاطراف السياسية في البلد، لأن هناك إجماعاً على أن الغاز المصري يُسرق لصالح الدولة اليهودية». مورفي يغالط رئيس الوزراء الاسرائيلي ومعظم المسؤولين الاسرائيليين في إعلانهم أن الامر هو «خلاف تجاري بحت»، ويردف «إن الفوضى السياسية التي تشوب مرحلة ما بعد مبارك تحتاج إلى هذا النوع من الخطوات».



أمين: الثورة بدأت للتوّ

في مقابلة مصوّرة على موقع «زي كوميونيكيشنز»، رأى المفكر اليساري سمير أمين أن الثورة المصرية لم تنجح ولم تفشل بعد، بل بدأت للتو. وعن تحركات مصر قال أمين إن المحتجين يواجهون جداراً منيعاً مؤلفاً من المجلس العسكري مع كل الدعم الأميركي المقدّم له، ومن «الاخوان المسلمين» الذين «ما كانوا يوماً معارضين لأنطمة أنور السادات أو حسني مبارك». المحلل السياسي يرى أن فوز الاسلاميين بالسلطة في مصر «لم يكن مستغرباً» لأن النظام النيوليبيرالي السابق هو الذي أعطاهم المال والقدرة على تمويل الفقر والفقراء تحت جناحهم والحلول محل مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات، «كل ذلك بأموال خليجية ومباركة أميركية»، لكن، يضيف أمين، ومع وصول الاخوان المسلمين الى البرلمان ها هم يطالبون السلطة العليا العسكرية بإعطائهم حصة أكبر من الحكم، وموقعاً أقوى، فهم ما عادوا مجموعة مدعومة من السلطة بل جزءاً أساسياً منها، ولا نعرف بعد الى أين ستقود تلك العلاقات المستجدة بين الطرفين، مصر.