الخرطوم | جوبا | لم يكن حديث الرئيس السوداني عمر البشير إبان زيارته لمنطقة هجليج النفطية يوم الاثنين الماضي الأول من نوعه حول نية بلاده عدم وقف تصعيدها ضد دولة جنوب السودان، فقد سبق أن أعلن أن دخول قواته منطقة هجليج لا يعتبر نهاية المعركة بل ستتبعه عمليات أخرى إلى أن تكتمل الخطوة بإطاحة الحركة الشعبية لتحرير السودان من سدة الحكم في جنوب السودان. لكن حديث البشير في هجليج، كانت له دلالات أخرى تعتبر حداً فاصلاً بين حديث الجد وتصريحات لحظات الغضب التي أطلقها عشية احتفالات الخرطوم باسترداد قواتها لمنطقة هجليج في العشرين من الشهر الجاري. هذه المرة خاطب البشير جنوده على بعد عشرات الكيلومترات فقط من الحدود الدولية بين دولته وجارتها الجنوبية جنوب السودان قائلاً: «إن حدود السودان القديم قبل الانفصال لن تسعنا نحن والحركة الشعبية».
موقف البشير أكده بإعلانه أيضاً إغلاق نوافذ التفاوض مع جوبا. وقال «إن لغة السلاح ستكون هي لغة الحوار». وبينما كانت طائرة الرئيس السوداني تثير الغبار لحظة إقلاعها من المهبط الترابي في حقل هجليج، كانت ألسنة اللهب وأعمدة الدخان الكثيف تتصاعد على بعد خمسة وستين كيلومتراً فقط فى مدينتي بنتيو وربكونا بولاية الوحدة في جنوب السودان بسبب أعنف غارة تشنها الطائرات السودانية على البلدتين النفطيتين ضمن سلسلة من ستين غارة استقبلتها البلدتان منذ آذار الماضي على الرغم من اصرار الخرطوم على نفي أي علاقة لها بالموضوع.
أما دولة جنوب السودان، فاعتبرت استمرار تعرض مناطقها للغارات إلى جانب موقف البشير بمثابة إعلان للحرب عليها، وهو ما دفع رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، خلال أول زيارة له للصين تزامنت مع تواجد الأمين العام للعلاقات الخارجية في المؤتمر الوطني السوداني ابراهيم غندور، للقول «إن زيارتنا تأتي في وقت حرج بالنسبة لجمهورية جنوب السودان لأن جارنا في الخرطوم أعلن الحرب على الجنوب»، فيما سرت أنباء غير مؤكدة عن أن سبب قطع ميارديت زيارته للصين يعود إلى احباط محاولة انقلابيةلإطاحته.
وتعتبر المرحلة الراهنة من التصعيد بين الخرطوم وجوبا أكبر مصدر قلق للمجتمع الدولي والمراقبين، وهو ما حرك مجهودات أممية متواصلة لنزع فتيل الأزمة. وتجمع الأوساط على ضرورة العودة للتفاوض وتهيئة الأطراف لهذه الخطوة حتى في ظل الظروف الصعبة الراهنة والمسافة الشاسعة في مواقف الطرفين. ويقول الكاتب الصحافي السوداني، فيصل محمد صالح، «إن العامل الدولي والضغوط الدولية هي العامل الاساس الذي يمكن أن يساعد على تخفيف حدة التوتر وتهدئة الأمور لفترة زمنية معقولة، ثم بعد ذلك جر الطرفين إلى مائدة التفاوض، لأنه لا سبيل لحل هذه الإشكالات من غير التفاوض على الإطلاق».
ومما يعقد سبل الحل، الاتهامات المتبادلة بين الخرطوم وجوبا بدعم وإيواء المتمردين على جانبي الحدود. وتنشط الحركات المتمردة على جوبا بشكل رئيسي في ولايتي الوحدة وأعالي النيل، بينما تكثف قوات الجبهة الثورية ضد الحكومة السودانية عملياتها في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان فضلاً عن مشاركة الحركات المسلحة فى دارفور فى تحالف الجبهة الثورية الذي تقول الخرطوم إن جوبا تدعمه بالمال والسلاح والإيواء. لكن اجتياح جيش جنوب السودان لبلدة هجليج النفطية فى العاشر من نيسان الجاري كان بمثابة نقطة تحول كبرى فى علاقات السودان وجنوب السودان على كافة المستويات خاصة الأمنية والسياسية، ما يفسر التشدد الذي تبديه السلطات السودانية تجاه جنوب السودان.
في المقابل، بدت جوبا أقل تشدداً في الأيام الأخيرة. وأكد الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم، الذي يتولى المفاوضات مع الخرطوم، لـ«الأخبار» أن حكومة جنوب السودان جاهزة للتفاوض مع السودان في أي مكان، فضلاً عن استجابتها للوساطة المصرية التي أفضت إلى الافراج عن 14 أسيراً سودانياً، وذلك بعدما أدركت التداعيات السلبية لخطوة احتلال هجليج والتي بدأت تنعكس سلبياً عليها وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، حيث ظهر نقص حاد في الوقود ترافق مع ارتفاع في سعر الدولار في السوق السوداء، فضلاً عن الأوضاع الانسانية المتردية ونذر المجاعة.
أما الجنوبيون المتواجدون في الشمال، فبدأوا أيضاً يتلمسون تداعيات التوتر، اذ عمدت الخرطوم إلى اغلاق الحسابات المصرفية لكل الجنوبيين في الخرطوم دون اعطائهم محتوياتها، إلى جانب مطالبات الجنوبيين بأوراق سفر رسمية صادرة من الجنوب قبل السفر