عمّان ــ الأخبار

«الإخوان المسلمون» أكلتهم ثورة «الربيع» | شهد التنظيم الإخواني في الأردن أزمة حقيقية خلال السنوات الخمس الماضية، بدءا من مبادرة إشكالية عرفت باسم "الملكية الدستورية" إلى مبادرة عرفت باسم "زمزم" وأحدثت شرخا في جسم الجماعة، ثم جاء انقسام جديد بعدما حصل أعضاء منها على ترخيص يحمل اسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، بقيادة المراقب العام السابق، عبد المجيد الذنيبات.
بداية الأزمة كانت في فكرة "الملكية الدستورية"، التي حملت الأفكار نفسها التي يسير عليها نظام الحكم في بريطانيا، وكان مهندسها القيادي الإخواني ارحيل الغرايبة، وروج لها في واشنطن على هامش مشاركته في أحد المؤتمرات. لكن هذه المبادرة نامت في مهدها، بعد الهجوم الذي تعرض له الغرايبة من داخل التنظيم وخارجه.
بعد تفاقم الأزمة الداخلية في صفوف الجماعة، ولدت مبادرة جديدة باسم "المبادرة الأردنية للبناء - زمزم" التي وقف وراءها الغرايبة ومعه القيادي نبيل الكوفحي، ووصفت بـ"الانقلاب الأبيض". منذ انطلاقة "زمزم" والماكينة الإعلامية في المملكة لم تتوقف عن تحليل ما حدث، كما حرص الإعلام القريب من الحكومة على استغلال ما جرى لتعتيم الصورة القاتمة ضد منافسها السياسي الوحيد تقريبا.

الصقور والحمائم


في السياق التاريخي، ومع تشكيل المكتب التنفيذي لـ"الإخوان" قبل نحو عامين وبعد فوز همام سعيد بمنصب المراقب العام، وبرغم أن رأي الأغلبية كان أن يشكل همام فريق عمل متجانس، لأن التجربة السابقة في المكتب التوافقي القائم على المحاصصة كانت معطّلة للعمل وقائمة على الترضيات، فإن الرجل كما يقول أنصاره، ونتيجة للتجربة السابقة، اعتمد على مبدأ الكفاءة في اختيار أعضاء المكتب التنفيذي والفريق العامل معه.
في هذه الأثناء، قرر التيار الذي عرف باسم "حمائم الإخوان" رفض المشاركة في أي موقع داخل الجماعة كرد فعل على ما سموه فوز تيار "الصقور" بالأغلبية في مجلس الشورى مع أنها وصفت بأنها "انتخابات تامة وحرة".
راهن هؤلاء على أن المراقب العام لن يستطيع تشكيل مكتب تنفيذي ولن يحظى بالثقة المطلقة من أعضاء الشورى، ولن ينجح في هذه المرحلة الصعبة، فقدروا أن عزوفهم سيحبط القيادة. لكن سعيد قرر تشكيل مكتب تنفيذي من شخصيات صاحبة كفاءة وخبرة وليست بالضرورة من المحسوبة على تيار الصقور، مثل زياد الخوالدة ووائل السقا ومحمد الشحاحدة سعود أبو محفوظ، فيما كان سعيد نفسه وأحمد الزرقان هما المحسوبان تاريخيا وتقليديا على جناح "الصقور".
شعر "حمائم الإخوان" بأنهم أخطأوا التقدير، فحاولوا الضغط من خلال مجلس الشورى لفك "المكتب التنفيذي" وإعادة تركيبه كي يدخلوا إلى المكتب من جديد. بعد عدة محاولات قادها المراقب السابق عبد المجيد الذنيبات (صاحب الانشقاق اللاحق) مع "مكتب الإرشاد العالمي" وحديثه عن شبهة مال سياسي في الانتخابات الداخلية، انقسم هذا التيار إلى جهتين: جهة عدلت مسارها وغيرت رأيها وانخرطت في العمل، وفريق ثان وجد نفسه ومستقبله خارج الجماعة (مبادرة زمزم).
تسببت خلافات "الحمائم" مع المراقب العام في انشقاقين كبيرين


ولادة "زمزم"


اجتمع مؤسسو "زمزم" في لقائهم الأول في نهاية 2012 بعد ما يقارب ستة أشهر على تشكيل المكتب التنفيذي. حضر اللقاء نحو ستين شخصية دون أن يعلموا بتفاصيل ما دعوا إليه. خلال الجلسة طرقت ورقتان كانت الثانية تنص على تشكيل إطار جديد يشمل بعض معاني وأهداف "زمزم" ما تسبب في انسحاب عدد من الحضور.
أهم من رفضوا فكرة المبادرة شكلا وتوقيتا القياديان عبد اللطيف عربيات وسالم الفلاحات، اللذان رأيا أنها فكرة انشقاقية. وحديثا، أكدت مصادر مطلعة في وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية أن "زمزم" تقدمت رسميا بطلب لتأسيس حزب سياسي جديد. ويحمل الحزب اسم "حزب زمزم" إلى جانب صيغة أولية لبعض الأفكار والمبادئ الخاصة به.

الحكومة تشمت


استمرت مؤسسات الدولة الإعلامية المناكفة للإخوان بالعمل بمبدأ زيادة الشرخ، فأبرزت نموذج "زمزم" وعملت على مدحه وفتح المجال لقيادات المبادرة حتى جاء موعد إعطاء الترخيص الحكومي الشهير لـ"جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، بقيادة عبد المجيد الذنيبات، في محاولة لإحداث شرخ إضافي إلى جانب "زمزم"، مع أن الجمعية لم تلق قبولا لدى القواعد الإخوانية التي نأت أجزاء كبيرة منها عن هذه الخلافات، وفي النتيجة عن المشاركة الفعالة في النشاطات، التي حاصرتها الحكومة في السنة الأخيرة بحجة وجود جمعية مرخصة هي المسموح لها بالنشاطات.
وقد سبقت الترخيص لجميعة الذنيبات مؤتمرات تصحيحية وصفت بالانقلابية على الجماعة الأم، وصولا إلى تدخل الحكومة في الأسبوع الماضي لمنع الأخيرة من إجراء انتخاباتها الداخلية.

ضربة بني ارشيد

يشار إلى أنه قبل الإعلان عن ترخيص الجمعية اعتقلت السلطات الرسمية الرجل الثاني في الجماعة الأم، زكي بني ارشيد، على خلفية منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وسجن بتهمة الإساءة إلى دولة شقيقة هي الإمارات.
لكن بني ارشيد أعلن في اليوم الأول من خروجه من السجن مبادرة وطنية للإصلاح فتحت شهية المتحمسين في التنظيم وخارجه على فكرة لم شمل الصف الإخواني. ونظريا، استطاع الرجل جمع بعض الشتات عبر توافقات مع التيارات في الجماعة على تمرير الانتخابات الداخلية المقبلة واستبعاد أي مناكفات.
ويذكر أن بني ارشيد، في آخر جلسة لشورى الجماعة، التي اعتقل عقب انتهائها، استطاع أن يساهم في تشكيل توافق عبر طي "ملف زمزم"، ولكن خبر الاعتقال غطى على هذا التوافق، الذي لا يبدو أن نتائجه ستثمر في ظل التشتت الذاتي واستغلال الحكومة له.