غزة | أفرزت الانتخابات الداخلية لحركة «حماس»، التي أجريت أخيراً في قطاع غزة، تغييرات محدودة على هيكليتها القيادية باحتفاظ غالبية قادتها البارزين بمواقعهم القيادية، مع صعود واضح للجيل الشاب في المجالس الإدارية للمناطق. وقالت مصادر متطابقة في حركة «حماس» لـ«الأخبار» إن رئيس الحكومة المقالة في غزة، إسماعيل هنية، حقق أفضل النتائج في الانتخابات الداخلية، لكنها نفت في الوقت نفسه، تعيينه رئيساً للمكتب السياسي للحركة في القطاع خلفاً للشهيد عبد العزيز الرنتيسي، الذي اغتالته إسرائيل في 17 نيسان 2004، بعد ثلاثة أسابيع فقط من توليه رئاسة الحركة خلفاً لزعيمها الروحي أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل أيضاً في 22 آذار 2004. وأشارت مصادر حركية إلى أنّ «حماس» قرّرت منذ اغتيال عبد العزيز الرنتيسي، أن يبقى منصب رئيسها في قطاع غزة «سرياً» كي لا يكون هدفاً للاغتيال.
ووصف مصدر مسؤول في «حماس»، نتائج الانتخابات بـ«التقليدية»، لكونها لم تشهد سوى تغييرات محدودة في الهيكلية القيادية للحركة في القطاع المحاصر، من دون تسجيل مفاجآت مدوية، باستثناء خسارة نائب هنية، محمد عوض، والمستشار السياسي لهنية يوسف رزقة، والناطق باسم الحكومة طاهر النونو. لكن المصدر كشف عن «محكمة حركية» تنظر حالياً في شكاوى وطعون تقدم بها عدد من القادة المحليين في بعض مناطق القطاع، ممن لم يحالفهم الحظ بالفوز أو الاحتفاظ بمواقعهم القيادية السابقة في المجالس الإدارية.
وبحسب المصدر، أظهرت نتائج الانتخابات ميلاً لدى الشباب لرؤية أقرانهم من الجيل الشاب في مواقع قيادية، بينما فشلت قيادات «كبيرة» في الحصول على ثقة الناخبين. وذكر مصدر آخر أنّ وزير الأسرى والمحررين عطا الله أبو السبح، ووكيل وزارة الخارجية غازي حمد، والوكيل السابق للوزارة أحمد يوسف، أصبحوا أعضاء في مجلس الشورى في قطاع غزة، بينما فشل القيادي جمال أبو هاشم في الحصول على ثقة الناخبين في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع. يُذكر أن أبو السبح وحمد وأبو هاشم فشلوا في الانتخابات الداخلية السابقة.
وتجري «حماس» انتخاباتها الداخلية وفق توزيع جغرافي يقسّم كل منطقة على حدة، مع المحافظة على درجة عالية من السرية والكتمان. ووفق النظام الداخلي لحركة المقاومة الإسلامية، لا يُسمَح بالتصويت إلا لمن يحملون رتبة «نقيب»، وهي الرتبة التنظيمية الثانية في جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد الرتبة الأولى المعروفة بـ«الأخ». وهؤلاء ينتخبون بدورهم لتولي المواقع القيادية، أعضاء ممن يحملون رتبة «رقيب».
ولا يعرف على وجه التحديد عدد الذين شاركوا في الانتخابات الداخلية للحركة، سواء بالانتخاب أو الترشُّح. ويمنع النظام الداخلي المرشحين من الترويج لأنفسهم على طريقة «الدعاية الانتخابية»، أو تأليف تكتُّلات وتحالفات وقوائم انتخابية، لكن الانتخابات الأخيرة شهدت خروقاً واضحة استدعت تأسيس «محكمة حركية» للنظر في الطعون، وصلت إلى حدّ اتهامات بتقديم رشاوى.
في المقابل، استبعد مصدر مسؤول أن تُجرى انتخابات الحركة في الضفة الغربية المحتلة في الوقت الراهن، بسبب ما تتعرض له الحركة من ضغوط وملاحقة من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وحملات الاعتقال الإسرائيلية المتكررة ضد عناصرها وقادتها. ورجّح المصدر تكليف قيادات بارزة للحركة تعود جذورها إلى الضفة، وتقطن في الخارج، لتمثيل مناطقهم في المكتب السياسي للحركة، ومجلس الشورى.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الداخلية للحركة في الخارج في أيار المقبل، وذلك تمهيداً لتأليف قيادة جديدة تمثل كلاً من مجلس الشورى العام والمكتب السياسي.
ولا يعرف تحديداً عدد أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشورى للحركة أو هوياتهم الشخصية، حيث تعمد «حماس» إلى إعلان أسماء أعضائها في الخارج، وعدد محدود من الوجوه المعروفة في قطاع غزة، فيما يبقى أعضاؤها في الضفة الغربية وداخل سجون الاحتلال أمراً سرياً.
لكن مصادر حركية متطابقة قالت إن المكتب السياسي المقبل سيتألف من 18 عضواً يمثلون بالتساوي الضفة الغربية وقطاع غزة والخارج، وسيكونون من القادة الذين حققوا أعلى نسبة أصوات في الانتخابات الداخلية، على أن يُسمى رئيس جديد للحركة يُعرَف برئيس المكتب السياسي. وترجح مصادر داخل «حماس» وحتى خارجها، استمرار رئيس المكتب السياسي الحالي خالد مشعل في منصبه لدورة تنظيمية جديدة، بالنظر إلى ما يتمتع به الرجل من سمات قيادية، إضافة إلى الإنجازات التي حقّقها للحركة على صعيد علاقاتها الخارجية منذ توليه منصبه في 1996، خلفاً للرجل الثاني حالياً موسى أبو مرزوق الذي اعتقل في الولايات المتحدة، وكان حينها رئيساً للمكتب السياسي، علماً بأن «حماس» أعلنت في 21 كانون الثاني الماضي، أنّ مشعل سبق له أن أبلغ مجلس الشورى برغبته في ألا يكون مرشحاً لرئاسة المكتب السياسي للحركة في الدورة التنظيمية المقبلة، مع التذكير بأنّ النظام الداخلي للحركة يحظر استمرار أي قيادي في منصبه لأكثر من دورتين تنظيميتين، مدة الواحدة منها أربع سنوات.



أسماء جديدة

الأسرى المحرّرون نجوم الانتخابات



كان لافتاً تحقيق القياديين البارزين في الحركة، يحيى السنوار وروحي مشتهي، وهما أسيران محرران في صفقة تبادل الأسرى التي جرت بين «حماس» وإسرائيل في تشرين الأول الماضي، نتائج بارزة في الانتخابات الداخلية. ويتمتع السنوار، الذي قضى في سجون الاحتلال نحو 20 عاماً متواصلة بتهمة تأسيس أول نواة عسكرية أمنية لحركة «حماس»، بشعبية واسعة في أوساط الحركة الإسلامية، وخصوصاً لدى الجيل الذي التحق بالحركة مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ويحيى السنوار هو الشقيق الأكبر لمحمد السنوار، قائد «كتائب القسام» في مدينة خان يونس الذي كان المتّهم الرئيسي من قبل سلطات الاحتلال بالوقوف وراء عملية أسر الجندي جلعاد شاليط وإخفائه لستة أعوام. وحافظ قائد «كتائب عز الدين القسام» أحمد الجعبري، الذي أدار ملف شاليط وصفقة تبادله، على مكانته القيادية في المكتب السياسي للحركة في القطاع. وأظهرت نتائج الانتخابات، فوز عضو المكتب السياسي عماد العلمي، الذي عاد قبل نحو شهرين من دمشق إلى مسقط رأسه في مدينة غزة، بعد نحو 20 عاماً من الإبعاد القسري.





ترجيح استمرار مشعل في منصبه لدورة جديدة، بالنظر إلى سماته القيادية، والإنجازات التي حقّقها على صعيد العلاقات الخارجية للحركة



مفاجآت محدودة بخسارة نائب هنية، محمد عوض، والمستشار السياسي لهنية يوسف رزقة، والناطق باسم الحكومة طاهر النونو



رئيس الحكومة المقالة في غزة، إسماعيل هنية (الصورة)، حقق أفضل النتائج من دون تعيينه مسؤول الحركة في القطاع خلفاً للرنتيسي




حلّ عقدة محمود الزهار

نجحت الحركة في تطويق الخلافات التي شكل عضو مكتبها السياسي محمود الزهار قطبها الأبرز في مواجهة خالد مشعل، بعقد اجتماع لأعضاء مجلس الشورى المصغر في العاصمة السودانية الخرطوم، تلاه عقد اجتماع لمكتبها السياسي العام في القاهرة. ورجحت مصادر موثوقة أن يحتفظ مشعل بمنصبه رئيساً للمكتب السياسي إثر تطويق الخلافات، ما لم يحدث جديد، ولحظتها تميل الكفة لمصلحة نائبه الدكتور موسى أبو مرزوق، أو رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية. تجدر الإشارة إلى أن «حماس» تمنّت على مشعل العدول عن موقفه بعدم التجديد له على رأس المكتب السياسي، وتركت الأمر لمجلس الشورى لتقدير المصلحة العليا للحركة «مع الاحترام والتقدير لرغبته»، لافتةً إلى أن قيادات الحركة ترى أن أمر تنحي مشعل عن منصبه من عدمه «شأن عام تقرر فيه مؤسسات الحركة، وليس شأناً شخصياً خالصاً».