الجزائر ـ الأخبار فرّقت قوّات شرطة مكافحة الشغب في العاصمة الجزائرية، أول من أمس، تجمُّعاً نظّمه دعاة مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من أيار المقبل، في أوّل تحدٍّ لافت لقرار السلطة منع المقاطعين من تنظيم حملات لترويج موقفهم. وخرج مئات من المعارضين معظمهم من الطلّاب، تجمعوا بدايةً في الجامعة المركزية وسط الجزائر العاصمة، ومنها انطلقوا في موكب إلى ساحة البريد المركزي، حيث وجدوا قوة كبيرة من عناصر الأمن تحاصرهم وتخترق صفوفهم وتقطع الأوصال بينهم، فحوّلتهم إلى مجموعات صغيرة سهل التحكم فيها.

وتفرّق الجمع من دون حدوث مواجهات كبيرة ولا سقوط ضحايا. وفي مدن أخرى، حاول المقاطعون تجميع قواهم للتأثير في المشهد الانتخابي، وهو ما شهدته مدن سطيف ووهران وورقلة والشلف، رغم صدور أوامر قبل أيام لقوى الأمن بالتدخل تلقائياً بلا انتظار الأوامر، لفضّ أي اعتصام أو تجمع أو مسيرة بشعارات مضادة للانتخابات.
وفي موازاة المواجهات الكلامية، وأحياناً الجسدية مع قوى الأمن، يجري جدل حادّ بشأن أحقية السلطة في منع المقاطعين من التعبير عن رأيهم. وترى عدة أوساط أن هذا السلوك من السلطات تعبير عن تسلُّط وقمع، فيما يرى آخرون أنه حماية لنهج التداول السلمي للسلطة. وسألت «الأخبار» نواباً في البرلمان المنتهية ولايته، من عدة أحزاب، بما فيها تلك المحسوبة على المعارضة، عن الموقف بخصوص منع المقاطعين من تنظيم حملة علنية للتعبير عن رأيهم، فأجمعوا على أن موقف السلطة سليم، ومن غير الممكن السماح للمعارضين للانتخابات باحتلال الشارع، لأن ذلك «يخلّ بالأمن وينشر الذعر في أوساط الناخبين».
وقد تحوّل الكبت أحياناً إلى سلوك معادٍ لمواكب المرشحين وتنقُّلاتهم بين الأحياء والمدن، كما يجري باستمرار تمزيق الإعلانات الترويجية التي يلصقها المرشحون والأحزاب في مختلف مناطق البلاد. وفي السياق، تعرّض موكب حزب «جبهة التحرير» الحاكم لاعتداء بالحجارة والمقذوفات في ولاية تيارت غرب البلاد، ما أجبر الوفد الذي كان مقرراً أن يقيم مهرجاناً انتخابياً على مغادرة المكان باكراً. وفي إطار المضايقات، تعرّض مسؤولون من «التجمع الديموقراطي»، وهو حزب رئيس الحكومة أحمد أويحيى، إلى وابل من الشتائم في حي القصبة العتيق وسط الجزائر العاصمة، حين نزل أنصار الحزب المذكور لملاقاة السكان وشرح برنامجهم الخاص بترقية هذا الحي، فما كان من السكان إلا اتهامهم بالنفاق والظهور لمجرد كسب الأصوات ونيل رواتب نيابية كبيرة تفوق 400 ألف دينار (نحو 5400 دولار). وطلب الغاضبون الشباب من أعضاء الوفد مغادرة الحي فوراً، وهو ما حصل.
وقد انتهج العديد من المرشحين هذا العام استراتيجيا اقتحام الأحياء الفقيرة التي لا تشارك في التصويت عادةً، والجلوس مع المواطنين في المقاهي الشعبية والأسواق لاستمالة أصواتهم؛ على سبيل المثال، يتنقّل وزير الأشغال العمومية عمار غول، المرشح لرئاسة الحكومة إذا فاز الإسلاميون، يوميّاً بين الحارات والقرى والأسواق ليجالس المواطنين ويعدهم بالتغيير. ومع أنه وزير منذ أكثر من ثماني سنوات، ومسؤول مباشرة عن فضائح مالية تتّصل بإنجاز الطريق السريع على مسافة 1200 كيلومتر، يرى نفسه «محبوباً» و«مقبولاً»، وهي عبارات أطلقها أنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك تجوب كافة المدن والقرى حافلات «تكتّل الجزائر الخضراء»، الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية تعتقد أنها الأوفر حظاً للفوز بالغالبية.
ويشترك جميع المرشحين في طلب واحد هو «انتخبوا ولو بورقة بيضاء»، وهو موقف مشترك ضد دعاة المقاطعة الذين يرعبون النظام والطبقة السياسية المقبلة على الانتخاب، في آن واحد. حتى إن بعض أقطاب الانتخابات اختاروا إخافة الناس من التدخل الخارجي في شؤون البلاد إذا كانت نسبة المشاركة ضعيفة.