نيويورك | من موسكو كُتب القرار 2043 على يد وزير الخارجية سيرغي لافروف شخصياً، وأرسله إلى فيتالي تشوركين في نيويورك. والمراسلون الذين يذكرون لافروف مندوباً لبلاده في الأمم المتحدة قبل تشوركين، يقولون إنه أفضل من يعرف كيف تصاغ مشاريع القرارات وتُفرض. قدم المشروع الروسي يوم الجمعة مديناً انتهاك حقوق الإنسان من جانب القوات الحكومية و«أي» انتهاك تقوم به المعارضة السورية المسلحة. وأصرّ فيتالي تشوركين على طرح المشروع على التصويت صباح السبت، تماماً كما جرى التصويت على القرار 2042 يوم السبت أيضاً، وفي الموعد نفسه.
وعندما خرج السفراء من جلسة مشاورات عقدت ليل السبت، كانت سوزان رايس متحفّظة على المشروع الروسي الذي رحّب به مندوب فرنسا جيرار آرو، مؤكداً أنه يفي بالغرض. وإذ رأى مندوب بريطانيا، مارك لايال غرانت، أنه مؤهل للنجاح، اختارت سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة، التشكيك فيه والتهديد بالعمل خارج إطار الشرعية الدولية. فهي كانت تريده تحت الفصل السابع والمادة 41، وليس تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة كما حدث بالفعل. وكانت تريد أن تأتي مروحيات نقل المراقبين من دول أجنبية وليس من سوريا نفسها.
لكن ما حصل فاجأ كثيرين وجعل المراسلين يسألون بحيرة عن أسباب تقبّل الدول الغربية مشروع القرار الروسي والتنازل السريع عن المشروع الأوروبي، بل هي انقسمت وانضمّ بعضها (ألمانيا وفرنسا والبرتغال وكولومبيا) إلى الدول الراعية له. وحظي المشروع الروسي أيضاً برعاية كلّ من الصين وباكستان وروسيا والمغرب، والأخيرة تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي. تنازلات باتت مألوفة في كل بيان أو قرار وسط مواقف صلبة تبديها موسكو وبكين في الأزمة السورية، وأدت إلى فقدان المجموعة الغربية ـــ العربية للثقة بمواقفها والتشكيك في قدرتها على التأثير على القرارات المتعلقة بالأزمة السورية، ما حدا بأحد المراسلين إلى القول «كلما علا صراخ مندوبة الولايات المتحدة وتهجّمها، فإنه يدل على فقدانها القدرة على إدارة الدفة داخل الجلسات المغلقة».
لكن رايس أذعنت للعرض الروسي لأنه أفضل الممكن في أزمة غاية في التعقيد والحساسية. وهي تريد أن ينتشر المراقبون ويرفعوا تقارير لكي يبنى عليها لاحقاً. أمر غير مضمون كلياً بسبب العنف المتبادل، وإن بدرجات متفاوتة. أما إذا فشلت في الحصول على تقارير من المراقبين تقوّض الثقة بالحكومة السورية، فعندها يأتي دور خيارات أخرى هدّدت بها رايس في كلمتها بعد التصويت، حيث قالت قبل كلمة المندوب السوري مباشرة، «لن يكون هناك شكّ في أننا وحلفاءنا وآخرين في هذا المحفل، نخطط ونستعد للأعمال المطلوبة منّا جميعاً إذا ما واصل نظام الأسد تقتيل الشعب السوري».
الجعفري ردّ عليها باتهام بعض من صوّتوا على القرار بالإجماع بأنهم بدأوا فوراً بالابتعاد عن أحكامه باستخدامهم مصطلح نظام في معرض مخاطبتهم للحكومة السورية، «بينما نص القرار لم يتضمن تعبير نظام، بل هناك الحكومة السورية». وناشد الجعفري المجلس نشر بعثة المراقبين، والتطبيق الكامل لخطة أنان التي تشترط عملية سياسية بقيادة سورية. وطلب من الدول المؤثرة والراعية للجماعات المسلحة التأثير عليها.
مندوب المغرب محمد لالوشكي، ممثل المجموعة العربية، كان الوحيد بين المندوبين العرب الذي حضر الجلسة، بينما تغيّب العرب عنها ولو كمشاهدين. وكان لافتاً قوله إن استمرار العنف وإن خفّت درجته «لا يزال يشكّك في صدقية الطرفين» ولم يقصر قوله على الحكومة وحدها.
القرار يطلب تطبيق عناصر خطة أنان الست مرفقة ببنود قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2042 الذي صدر الأسبوع الفائت. والهدف هو «وضع حدّ لكافة أشكال العنف»، و«تأمين وصول المساعدات الإنسانية وتسهيل عملية انتقالية ديموقراطية سياسية بقيادة سورية».
ويدعو الحكومة السورية إلى تطبيق التزاماتها بشكل منظور، وبوقف تحرك القوات المسلحة نحو المراكز السكانية، ووقف استخدام السلاح الثقيل بأنواعه، وإنهاء سحب القوات المسلحة وسحب الأسلحة الثقيلة من المراكز السكانية من دون طلب العودة إلى الثكن العسكرية. ويدعو الأطراف السورية «بما فيها المعارضة» إلى وقف إطلاق النار فوراً. وقرر المجلس نشر بعثة مراقبين «أنسمس» قوامها 300 مراقب غير مسلحين فضلاً عن فريق مدني يحدّده المبعوث الدولي المشترك كوفي أنان تحت إمرة «مراقب عسكري كبير»، تتولى تحديد مدى التزام الأطراف بوقف العنف على الأرض، ويترك للأمين العام تقدير إمكانية النشر وأماكنه.
ويطلب المجلس من كافة الأطراف المرور الآمن للأفراد من دون النيل من حريتهم في الحركة والوصول، والمسؤولية الأولى تقع هنا على عاتق الحكومة.
ويطلب من الأمين العام إشعار المجلس في حال حصول أي خرق أو عرقلة لعمل البعثة بصورة فعالة. وفي خصوص تأمين المعدات والمروحيات ورد في القرار دعوة الدول الأعضاء إلى تقديم مساهمات مناسبة «حسب طلب الأمين العام». وهذا يخضع للتشاور مع الحكومة السورية. وسترفع البعثة تقريراً كل 15 يوماً. وتقرر أن ينظر المجلس في اتخاذ «خطوات مناسبة أخرى» بشأن المساعدة على تطبيق القرار . خطوات تخضع للتشاور بين أعضاء المجلس والأمين العام والحكومة السورية، كما أوضحها المندوب الروسي.
وعندما سئل تشوركين عمّا إذا كانت بلاده تقبل فرض حظر على تزويد السلاح يشمل الحكومة والمعارضة، ردّ بأن الحظر إذا فرض على الحكومة يمكن تطبيقه، لكنه لا يطبّق على الدول التي تدعم المجموعات المسلحة وتزوّدها بالسلاح، بانياً قوله على تجارب الماضي.