القاهرة | الإسكندرية | أكثر الشعارات الثورية ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة رددتها أمس جماعة الإخوان المسلمين التي كانت أول من دعا إلى ما يسمى «الخروج الآمن» لأعضاء المجلس ومنحهم حصانة من المساءلة القانونية عما جرى خلال المرحلة الانتقالية. لكن هذه الشعارات فشلت على ما يبدو في عقد مصالحة بين الجماعة والثورة؛ فآخر ما كانت ترجوه الجماعة الأكثر تنظيماً على الساحة المصرية أمس في ما عرف إعلامياً بـ«جمعة تقرير المصير»، ترديد المتظاهرين شعارات تندد بـ«حكم المرشد»، في إشارة إلى المرشد العام للجماعة محمد بديع. ولاحقته مجدداً أمس هتافات «بيع بيع بيع الثورة يا بديع» من مسيرة التأمت في ميدان طلعت حرب القريب من ميدان التحرير، وضمت الآلاف من الشباب اليساري تحت الاعلام الحمراء. إلا أن صوت اليسار في الميدان بدا بطبيعة الحال خافتاً نسبياً قياساً إلى الإسلاميين، وتحديداً الإخوان الذين هيمنت نبرة تصالحية على خطابهم أمس. أما «مطالب الجماهير الشعبية التي تكتوي بنيران الغلاء والبطالة والفساد، فلا محل لها من الإعراب»، بحسب بيان الاشتراكيين الثوريين.
محمد البلتاجي، القيادي في الجماعة وعضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة، الذي هتف اليسار ضده أمس «أهم أهم أهم الكدابين أهم»، أكد في خطابه أمس أن «لا دستور تحت حكم العسكر... الدستور فوق العسكر»، من دون أن يحدد صراحةً ما إذا كانت جماعته ترفض ما شدد عليه رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي، من ضرورة صياغة الدستور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية. وما بين «الله أكبر» و«الثورة مستمرة» حسبما هتف عاصم حداد، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة من على منصة الإخوان، تراوح أداء الجماعة وهتافات أنصارها. فأعضاء الجماعة كانوا يعرفون أمس بسيماههم من قبيل اللحية والنقاب أو الحجاب الفضفاض والسيوف على الأعلام الخضراء، لا بالهتافات. والتزمت الجماعة أمس خطاباً ثورياً بامتياز، وإن كانت قد استعارت كل هتافاتها تقريباً من الهتافات اليسارية بعد إطاحة الرئيس المخلوع حسني مبارك من قبيل «قول ما تخافشي العسكر لازم يمشي» و«اللي ساكت ساكت ليه... خدت حقك ولا إيه»، و«يسقط يسقط حكم العسكر» وهي الشعارات التي رددتها إحدى المسيرات الإخوانية مثلاً والتي لفت فيها النظر السماح بالاختلاط، بالرغم من العرف السائد في الجماعة منذ تأسيسها بفصل الرجال النساء في تظاهراتهم.
عودة الإخوان للميدان أمس بعدما كانوا قد رفعوا شعار «الشرعية من البرلمان» في أعقاب استحواذهم على النسبة الأكبر من أعضائه لم تخل من تلميح أحد خطباء منصة الجماعة إلى «أخطاء وقع فيها الجميع خلال الفترة الانتقالية»، مطالباً بتجاوزها والعودة إلى «اليد الواحدة». الخطيب الإخواني حذر كذلك من الإبقاء على اسم أحمد شفيق في القائمة النهائية للمرشحين الرئاسيين، التي ستعلن الخميس المقبل.
الاعتذار الضمني للجماعة كان حاضراً في حوارات أعضائها مع المتظاهرين في الميدان، وهو تقريباً ما عبّرت عنه حنان أبو عوف في حديثها مع «الأخبار»، بقولها: «لقد كنا نعرف جيداً مطامع المجلس العسكري في السلطة، لكن كنا مضطرين إلى الصمت عنها في مواجهة شعبة الجيش الهائلة بعد الثورة». وأضافت: «لم نغادر الميدان إلاّ بعد إجراء الجيش الانتخابات (التشريعية) النزيهة»، مشيرةً إلى أن المجلس العسكري «استدرج الكل للاستفتاء على التعديلات الدستورية لخلق شقاق».
أما أنصار المرشح السلفي المستبعد من السباق الرئاسي، حازم صلاح أبو إسماعيل، فقد بدت منصتهم مميزة بالأعلام السوداء التي تحمل شهادتي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، واقتصرت مطالبهم على تعديل المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن عل قراراتها، حسبما قال لـ«الأخبار» عادل محمد إبراهيم أحد أنصار أبو إسماعيل.
الأجواء في ميدان التحرير لم تختلف كثيراً عن مسيرات الإسكندرية؛ إذ انطلق عشرات الآلاف من المتظاهرين أمس من أمام مسجد القائد إبراهيم عقب صلاة الجمعة، متجهين إلى المنطقة الشمالية العسكرية ومرددين هتافات ضد المجلس العسكري ومرشحي الفلول في الانتخابات الرئاسية. كذلك حذروا من تزوير الانتخابات، مطالبين بعدم وضع الدستور أثناء وجود المجلس العسكري على رأس الحكم، فضلاً عن تسليم السلطة في موعدها المحدد.
وحضر المسيرة عدد من نواب مجلس الشعب إلى جانب عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، صلاح سلطان، فيما حمل متظاهرون لا ينتمون إلى القوى السياسية لافتات كتبوا عليها «توحدوا ولا تفرقوا فالاتحاد قوة»، بينما حمل عدد آخر منهم لافتات كُتبت عليها الآية القرآنية «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».
وردد المتظاهرون هتافات من بينها «ياللي فاكرها زي زمان الثورة لسه في الميدان» و«المجلس ملوش شرعية والثورة زي ما هيا» و«مطلب واحد للتغيير يسقط يسقط يسقط المشير» و«الفلول باطل أحمد شفيق باطل وعمرو موسى باطل».
وقال الناشط الحقوقي، هيثم أبو خليل: «شاركت من أجل التوافق وبناء أرضية جديدة نبدأ عليها الحركة القادمة». وأضاف: «المفروض أن نتطرق إلى المرض وليس الأعراض، المرض لدينا هو المجلس العسكري، وبقية المطالب أعراض للمرض ده».
من جهتها، قالت نهلة النمر: «نحن لا نحاول أن نتوحد، نحن نحاول جذب الآخر إلى موقفنا، وندعوه إلى الاتحاد من دون أي استعداد لتقديم تنازلات. وإذا لم يفعل، فإننا نتعجب من رفضه للتوحد». إلى ذلك، صنع المتظاهرون التابعون للتيارات الإسلامية منصة كبيرة قبالة المنطقة الشمالية، حيث انتهت المسيرة التي طافت بشارعي الكورنيش وبورسعيد. ووضعت عليها عبارة «الوحدة لحماية الثورة»، فيما نصبت القوى السياسة منصة تدلت منها دميات وُضعت عليها صور لعدد من الفلول والرئيس المخلوع حسني مبارك وطنطاوي. كذلك رفعوا لافتة كتب عليها «للثورة شعب يحميها».