بغداد | تعقيدات كثيرة يشهدها الواقع السياسي العراقي في الفترة الأخيرة، باتت تلقي بظلالها على مستقبل «التحالف الاستراتيجي» القائم بين «التحالف الوطني»، الذي يضم أبرز التيارات السياسية الشيعية الحاكمة من جهة، و«التحالف الكردستاني» من جهة أخرى. أبرز هذه الخلافات طرأت إثر اعتقال المسؤول الكردي في بغداد، فرج الحيدري، الذي يشغل منصب رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بعدما تقدمت النائبة عن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الحكومة نوري المالكي، حنان الفتلاوي، بطلب للتحقيق مع الحيدري حول «تورُّط الأخير بملفات فساد مالي وإداري».
وفي ظل هذا الحراك البغدادي، سارعت أربيل، في بيان صدر عن قيادة إقليم كردستان، إلى استنكار اعتقال الحيدري، وهو الإجراء الذي يشكّل «انتهاكاً صارخاً» من شأنه أن يُفرِغ العملية السياسية من «المحتوى الديموقراطي».
ورغم إطلاق سراح الحيدري يوم الاثنين الماضي، إلا أن خطاب حكومة كردستان بات يلتقي مع آراء ائتلاف «القائمة العراقية» بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، لجهة أن المالكي يسعى للسيطرة على الهيئات المستقلة غير المرتبطة بالحكومة. وفي آخر مؤتمر صحافي عقده النواب الأكراد في مجلس النواب، أكّدوا أن رئيس الوزراء «يهمش» و«يستهدف» المسؤولين الأكراد في بغداد.
تطورات سبقها خلاف آخر «أكثر عمقاً» من دون أن يجري التوصل إلى حله حتى اللحظة، يتمثّل بإيقاف إقليم كردستان إنتاج النفط وفقاً لالتزاماته المتفق عليها بين أربيل وبغداد. وكانت حكومة إقليم كردستان قد وقعت اتفاقاً سابقاً مع الحكومة المركزية في بغداد، يقضي بأن يصدر الاقليم 175000 برميل يومياً، في مقابل أن تدفع بغداد أجور الشركات الأجنبية التي تعاقد معها الإقليم لاستخراج النفط والتنقيب عنه ضمن حقول كردستان. وقد خرجت تداعيات الملف النفطي إلى العلن عقب تصريح أدلى به نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، حسين الشهرستاني، اتهم فيه حكومة الإقليم بتهريب النفط الى إيران وإسرائيل، مطالباً في الوقت نفسه الحكومة المركزية بإيقاف دفع مستحقات شركات النفط في كردستان، واسترداد «حقوق الشعب» من الإقليم. هذا ويعزو الخبراء النفطيون تجدُّد الخلافات بهذا الخصوص بين بغداد وأربيل بين الحين والآخر، إلى فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق يقضي بتشريع «قانون النفط والغاز».
وقد أدى قرار حكومة كردستان القاضي بوقف انتاج النفط في حقول الإقليم، إلى تراجُع الصادرات النفطية للعراق، وفقاً لمصادر مسؤولة في وزارة النفط؛ فبالاضافة إلى اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، بإدارة عمليات إرهابية لا تزال تعرقل انعقاد «المؤتمر الوطني» الذي تبناه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، دعا رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني إلى إطلاق مبادرة لعقد اجتماع يضم قادة الأطراف السياسية في العراق، لتتحول هذه الدعوة من جديد الى نقطة خلافية بحد ذاتها بين الأكراد وائتلاف «دولة القانون» المنضوي في صفوف «التحالف الوطني».
وفي ظل هذا التصعيد بين الطرفين، يتّخذ الطالباني مواقف أقل تشنجاً، يعتبرها المراقبون محاولة منه لتخفيف حدة الأزمة بين «دولة القانون» والأكراد، إذ أعرب الرئيس عن عدم إيمانه بأن «المالكي يسير نحو دولة ديكتاتورية»، إلا أنه يستدرك بالاعتراف بوجود «أخطاء يتحملها الجميع من بينهم رئيس الوزراء». وتابع الطالباني «أنا أيضاً أتحمل المسؤولية باعتباري المسؤول عن صون الدستور العراقي»، مقراً بأنه «لا يزال أمام العراقيين الكثير من الوقت لتعلم مبادئ الديموقراطية وترسيخها في مجتمعهم».
من جهته، يشير الناطق باسم «التحالف الكردستاني» في البرلمان العراقي، مؤيد الطيب، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أنه «ليس هناك خلاف ولا اتفاق بين الأكراد وجميع مكونات التحالف الوطني»، موضحاً أنّ «هناك بعض المكونات داخل التحالف الوطني لا يمكننا التحالف معها بسبب خلافنا حول المكانة القانونية لإقليم كردستان» في إشارة إلى ائتلاف دولة القانون. كذلك شدد الطيب على أنه «إذا ما أصر الطرف الآخر على التهرب والمراوغة، عندئذ ستبحث القيادات الكردية الخيارات المطروحة أمامها».
في المقابل، يبدي «دولة القانون» تمسُّكاً أكبر بما يسميه «الشراكة الوطنية». ووفق تأكيد النائب عن كتلة المالكي، عباس البياتي لـ«الأخبار»، فإنّ «العلاقة بين دولة القانون والتحالف الكردستاني، تمرّ بحالة من الاهتزاز لم تصل إلى القطيعة، فتحالفاتنا مع الأكراد قائمة على أساس الثوابت والمصالح». وفي السياق، يذكِّر البياتي بأنّ ائتلافه تمكّن من بناء ثلاث حكومات بالتعاون مع الأكراد الذين «لن يتمكنوا من سحب الثقة من الحكومة لعدة أسباب داخلية وخارجية».



المالكي: أردوغان جعل تركيا دولة عدائيّة

وصل السجال بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى مستوى ما هو سائد بين الدول المتحاربة. فغداة اتهامه من قبل أردوغان بـ«إذكاء التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد» في العراق، رأى المالكي أن تركيا تتحول إلى «دولة عدائية في المنطقة، بسبب سياسات رئيس حكومتها»، وهو ما «سيلحق الضرر بمصالح تركيا ويجعلها دولة عدائية بالنسبة للجميع». كلام جاء رداً على تجديد أردوغان حملته السياسية العنيفة ضد نظيره العراقي، متهماً إياه بـ«إذكاء التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد» في العراق، من خلال تصرفاته مع شركائه في الائتلاف الحاكم. كلام قد تكون له ارتدادات قوية داخل العراق، على صعيد الخلاف المستعر بين التحالف الكردستاني من جهة و«التحالف الوطني» من جهة أخرى، إذ إنه ورد على لسان أردوغان بحضور رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني غداة لقائهما في اسطنبول.
في غضون ذلك، تبنّى تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، الفرع العراقي لـ«القاعدة»، الهجمات الدامية التي وقعت في سبع محافظات عراقية أول من أمس، وأوقعت نحو 200 قتيل وجريح. وجاء في بيان على موقع «حنين»، الذي يُعنى بأخبار «الجهاديين العراقيين»: «استنفر جانب من الجهد الأمني والعسكري للدولة الاسلامية في موجة جديدة وفي خميس دمويٍ آخر على رؤوس المرتدين». وتابع البيان الذي حمل عنوان «غزوة الخميس رداً على جرائم الحكومة الصفوية»، أن «هذه الغزوة هي بداية لما ينتظرهم في الايام المقبلة وحلقة في سلسلة مباركة انطلقت ولن تتوقف».
(أ ف ب، رويترز)