إسطنبول | خطت تركيا الرسمية، أمس، خطوة إضافية في تصعيدها اللفظي ضد النظام السوري، ورفعت السقف مستفيدةً من التطور الأمني الذي طرأ أول من أمس، عندما جُرح مواطن تركي وعدد من السوريين داخل الأراضي التركية برصاص مصدره سوري. تطوُّر بدا أن حكام أنقرة مهتمون جداً بالانطلاق منه للحديث عن ردّ تركي محتمَل أن يكون على شاكلة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بقرار سيادي تركي ربما، وهو ما قد يكون وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو في صدد الإعداد له بعدما قطع زيارته الصينية لمواكبة التطورات من أنقرة، وأشرك نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون فيه، إضافة إلى وزراء خارجية كل من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.
أما رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، فقد يثير الموضوع بعد غد مع أحد أكثر المتحمّسين لإسقاط الرئيس بشار الأسد، الملك السعودي عبد الله. ومن بكين، أطلق أردوغان تصريحات حملت الإشارات الأوضح إلى احتمال إقدام بلاده على اتخاذ خطوات ذات طابع عسكري، بالتزامن مع تأكيد مصادر دبلوماسية تركية رسمية، أنّ «حادثة يوم الاثنين (إصابة المترجم التركي والمواطنين السوريين في منطقة كيليش التركية برصاص سوري) تطوُّر جديد في طريق إنشاء منطقة عازلة تركية داخل الأراضي السورية». وأكّد مسؤولون أتراك، رفضوا الكشف عن هويتهم، صحة مضمون تقرير صحيفة «ميلييت» التي أشارت أول من أمس إلى أن قرار إنشاء منطقة عازلة تركية في سوريا سيصدر فور وصول عدد اللاجئين السوريين إلى 50 ألفاً. وأوضحت المصادر التركية أن «الهدف الوحيد للمنطقة العازلة، إن أُنشئَت، سيكون تأمين الحدود التركية، كذلك إنّ أنقرة مهتمة جداً بالتطورات في حلب؛ لأن من شأن تدهور الوضع في هذه المدينة أن يؤدي إلى تدفُّق عدد هائل من اللاجئين السوريين إلى تركيا».
وقد وصف أردوغان حادثة جرح المترجم التركي والمواطنين السوريين داخل الأراضي التركية، بـ«الانتهاك الواضح» للحدود المشتركة، ملوّحاً بأن تركيا «ستردّ بالمثل، كما تتصرف أي دولة تتعرض حدودها للانتهاك». كلام أطلقه أردوغان من الصين، وغاب عنه رئيس دبلوماسيته داوود أوغلو الذي قطع زيارته الصينية، وتوجه سريعاً إلى أنقرة لمواكبة التطورات الحدودية وانتهاء المهلة المحددة للقوات السورية بموجب خطة الموفد الأممي _ العربي كوفي أنان. وواصل أردوغان سياسة التصريحات «الغامضة»، إذ جزم بأن «جميع الخيارات موجودة على الطاولة: لا يمكنني أن أقول لكم تحديداً ماذا سيحصل. نفكّر بكل الاحتمالات، وسنفعل الأمر الأمثل، وآمل ألا يكون ذلك ما لا نريد أن نفكر به حتى، أي أن نذهب (عسكرياً) إلى هناك (سوريا)، لكن النظام السوري قد يرغمنا على ذلك، وكي لا نفعل ذلك، هناك مجموعة من الخطوات مطلوب أن يقوم السوريون بها». وفي إطار تبرير تهديداته، أوضح أردوغان أن الكلفة التي تتكبّدها تركيا في إيواء اللاجئين السوريين وصلت إلى 150 مليون دولار، و«الناس في المخيمات يطلبون منّا أن نحميهم، وينظرون إلينا كمخلّصين، بالتالي لا يمكننا أن نغلق أعيننا عنهم». واتهم أردوغان الرئيس بشار الأسد «شخصياً» بالمسؤولية عن قتل المدنيين، بما أنه «يواصل قتل 60 و70 و80 و100 (شخص) كل يوم، وقوّاته تطلق الرصاص من دون رحمة على النساء والأطفال الهاربين في ظهورهم».
ولم يفصح أردوغان عن جدول أعمال اجتماعته السعودية التي تبدأ يوم الخميس وتنتهي السبت، واكتفى بالقول: «إن شاء الله سأزور السعودية للقاء المسؤولين وبحث هذا الملف (السوري) أولاً»، معرباً عن أمله أن تأتي اتصالاته بالقادة السعوديين في الرياض بنتائج إيجابية بشأن المسألة السورية، بحسب وكالة أنباء الأناضول التركية الحكومية. لكنّ صحيفة «حرييت» التركية المعارِضة، نقلت عن مسؤولين في أنقرة أنّ أردوغان سيُبلغ الملك السعودي يوم الجمعة بأن الدول العربية «يجب أن تتصدر تنفيذ إجراءات دولية منسقة ضد الحكومة السورية». وتابعت الصحيفة تقول إن رئيس الحكومة قد يسافر بعد الرياض إلى موسكو للاجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين حول الملف السوري أيضاً.
وفي حديثه للصحافيين، كشف أردوغان أن جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي «يؤيدون حقنا، ويقولون لنا إنهم سيتحركون سريعاً. لذلك، إنّ قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني المقبلة ستناقش الوضع السوري». وجزم بأنّ دمشق «لن تنعم بالدعم نفسه الذي نالته حتى اليوم في مجلس الأمن، صدّقوني، بعض دول مجلس الأمن لا يزالون يظنون أنّ هناك إرهابيين يشتبكون مع السلطات السورية، وهو ما سمعناه من المسؤولين الروس والإيرانيين، لكن هؤلاء، عندما نشرح لهم ماذا يحصل في سوريا، يبادرون إلى عرض العمل المشترك علينا»، ليخلص إلى ضرورة «استصدار قرار جديد عن مجلس الأمن». وفي حديثه عن الإجراءات الممكن أن يتخذها «المجتمع الدولي» ضد السلطات السورية، أشار أردوغان إلى أنه لا يجدر انتظار الاجتماع الثالث لمؤتمر «أصدقاء سوريا» المقرر أن تستضيفه فرنسا الشهر المقبل، مجدداً التشديد على دعم المجلس الوطني «الذي يعمل في إسطنبول وبات يتمتع بالشرعية». أما عن الموقف الصيني من الملف السوري، فقد لفت أردوغان إلى أنه «لم يعد كما كان في بداية الأحداث، مثلما أن الموقف الروسي تغيّر»، معرباً عن ثقته بأنه «في نهاية المطاف، سيصحّ الصحيح». وعن تقويمه لخطة أنان، رأى أن المبادرة كانت مرفقة دائماً بعبارة «إن شاء الله»، جازماً بأن أنقرة كانت مدركة منذ البداية أن «الخطة لن تنجح، وقد قلنا ذلك للسيد أنان لكنه ظلّ متفائلاً رغم أن النظام السوري لم يلتزم أبداً عهوده ولم يحرّك آلياته العسكرية إلا لنقلها إلى أماكن أخرى تنطلق منها حملات عسكرية جديدة». وما لم يقله أردوغان عن خطة أنان، أدلى به نائبه بشير أتالاي، الذي أشار إلى أن تركيا دعمت الخطة «لكن النظام لم يلتزمها».