قد تتعدد التقديرات إزاء خلفيات التباين الذي ظهر بين موقفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، من الشروط التي يجب على الدول الست أن تطرحها على إيران في المفاوضات المرتقبة بين الطرفين في إسطنبول السبت المقبل، إلا أن الواقع هو أن هناك تبايناً فعلياً، بغضّ النظر عن حجمه ومفاعيله، بين ما صدر على لسان رئيس الوزراء الذي يطالب بوقف تام لأي عملية تخصيب على الأراضي الإيرانية، وإخراج كل المواد المخصّبة بأي نسبة كانت، والبالغة نحو خمسة أطنان، وبين موافقة وزير الدفاع على مواصلة تخصيب اليورانيوم في إيران، بشرط ألّا يبلغ نسبة 20 في المئة، بل ويقتصر على «بضع مئات الكيلوغرامات التي لا تسمح لاستمرار التخصيب إلى إنتاج أسلحة».
الفارق الذي يبدو أنه متمحور حول السقف الإسرائيلي الواجب تحديده، يؤكد أن نتنياهو لا يزال يكرر نفس الموقف الإسرائيلي المبدئي من تحول إيران إلى دولة نووية، بأي مستوى كان، تطبيقاً لقاعدة «إما كل شيء أو لا شيء»، مبرراً ذلك بأن إيران «تستخدم المفاوضات للتأخير والتضليل»، فيما يبدو، من خلال البيان الصادر عن باراك، أنه بات مقتنعاً بأن إيران لن تقبل تحت أي ظرف التراجع عن امتلاكها قدرات نووية، الأمر الذي قد يستوجب نوعاً من «المرونة»، وتحديداً في ظل محدودية الخيارات الإسرائيلية العملانية وفشل تل أبيب في استدراج واشنطن نحو موقف أكثر صلابة من الجمهورية الإسلامية في إيران.
ما يُضفي قدراً من الأهمية، على التباين في الموقف بين الثنائي باراك ــ نتنياهو، أنه يحصل للمرة الأولى، وبالرغم من التنسيق الدائم بينهما في الموضوع الإيراني، كما أكد مصدر في مكتب رئيس الوزراء، فيما أقر مصدر في مكتب باراك بوجود نوع من الفوارق، واصفاً إياها بـ«التكتيكية». لكن صحيفة «هآرتس» رأت أن بعض الفوارق بين البيانين الصادرين عن كل من نتنياهو وباراك، مرتبطة بـ«مسائل جوهرية»، فيما رأت «يديعوت أحرونوت» أنه «بات واضحاً بما فيه الكفاية أن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان الموافقة على تخصيب إيراني لليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة على أراضيها بإيقاع بطيء وبكميات محدودة، وأنه بعد هذا التنازل، باتت طهران تدرك أن واشنطن لا تلتزم شروطها، وإذا ما كان لديها شكوك فقد أتى وزير الدفاع وبدد الضباب الذي كان قائماً». مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن المواقف المعلنة غالباً ما يحددها أصحابها، بما يسمح لها بنوع من المرونة، يكشف موقف باراك عن وجود استعداد مبدئي للقبول بسقف من التخصيب «يطمئن» إسرائيل أو على الأقل لا يحشرها في خياراتها، وعن وجود تباين في أصل التعبير عن هذا الموقف في العلن. من هنا لفتت «يديعوت أحرونوت» إلى أن نتنياهو حاول «تصحيح الضرر الذي سببه بيان باراك». لكنها أضافت أن الإيرانيين قرأوا البيان وفهموا معناه.
في كل الأحوال، بالرغم من هذا التباين «التكتيكي» في مضمونه، و«الاستراتيجي» في دلالاته، إلا أن المسافة بين ما أُعلن وبين الحد الأدنى الإيراني، لا تزال بعيدة جداً، وخاصة في ظل رفض إسرائيل لتخصيب بمعدل يصل إلى 20 في المئة، التي يمكنها بحسب مواقف تل أبيب وواشنطن، من تحقيق «قفزة» سريعة للغاية نحو اليورانيوم المخصب بنسبة 95 في المئة، والذي يمكن استخدامه لإنتاج سلاح نووي، لو أصدرت القيادة الإيرانية قراراً بذلك. إلا أن مشكلة إسرائيل والدول الغربية هو أن إيران تجاوزت هذه المحطة بعد كباش حاد مع الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية، واستطاعت حتى الآن إنتاج أكثر من 125 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة.
في موازاة ذلك، اتفق الزعيمان الإسرائيليان على ضرورة المطالبة بتفكيك منشأة فوردو، الواقعة بالقرب من مدينة قم، لكونها توفر لإيران الحماية والحصانة لأي عملية تخصيب تجري فيها، ويمنحها تنفيذ أي قرار تتخذه حتى لو قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية إليها. كذلك يوافق الطرفان على سماح الدول الكبرى لإيران، في مقابل التزامها المطالب الدولية، بالاحتفاظ ببرنامج مدني يخضع لإشراف دولي، ومن ضمنه تلقي قضبان وقود نووي من إحدى الدول العظمى، وهو أمر بات متوافراً في إيران بقدراتها الذاتية.
وطالب كلاهما أيضاً بوضع عموم النشاط الإيراني في المجال النووي تحت رقابة دولية وثيقة والكشف الكامل للتاريخ والنشاط في النطاقات المشبوهة التي تعود إلى البرنامج النووي العسكري لإيران.