مارزل الذي لا يكلّ
من لم يسمع بأحداث «أم الفحم». فقد قرر يومها رمز اليمين الصهيوني المتطرف «باروخ مارزل» أنها، أي المدينة، جزء من «أرض إسرائيل»، ويحق لليهود دخولها متى شاؤوا، ثم أصرّ على مسيرة تضمّ مؤيديه وحشد من رجال الأمن الذين جاؤوا خصوصاً لحمايتهم. يومها لقّنته أم الفحم وأهلها درساً لن ينساه، لا هو ولا من تبعه!
لكن مارزل هذا لا يكلّ ولا يملّ. هذه المرة قرر أن يقوم بمسيرة مشابهة في «الناصرة» حيث بُشّرت العذراء بيسوع، مدّعياً أن الناصرة هي «مدينة يهودية»، وأنهم سيثبتون يهوديتها بدخلوها بمسيرة ثم يتوجهون للتظاهر أمام بيت عضوة الكنيست العربية حنين زعبي، ومقر حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» العربي. هكذا كان مارزل سيعلن انتصاره على الناصرة، وربما كان يفكر في أنه سيُخفي آثار هزيمته في «أم الفحم»!
والناصرة، ثاني أكبر مدينة عربية في الداخل بعد أم الفحم، لم يقلّ ردّ فعل أهلها صرامة وقوة عمّا حدث في أم الفحم. التظاهرة ألغيت ظاهرياً لاندلاع أحداث غزة من جديد، ورجال الأمن لم يكونوا متفرغين لحماية مارزل ورجاله من الناصرة وأهلها. لكن، فجأة، علم الشباب أن مارزل وعضو الكنيست اليميني بن ارييه، متوجهان مع زمرة من أتباعهم للتظاهر في الناصرة. هكذا، لم يحتج أهل المدينة إلا لدقائق ليكونوا قد توحدوا بتوجهاتهم السياسية والدينية المختلفة ضد زمرة اليمين التي جاءت تستبيح مدينة يسوع. ولم يستطع مارزل دخول الناصرة. منعه رجال الأمن خوفاً من مواجهات مع شباب الناصرة الممتلئين بحب بلدهم. لم يستطع الصهيوني المتطرف أن يعلن الناصرة يهودية، إلا أن مارزل الذي لا يكل ولا يمل سيعيد الكرة، ولا أحد يعلم أين. لكننا نعلم أنه لن يكل، كما لن نتعب نحن من التصدّي له وحماية ما بقي لنا هنا!
لمَ كل هذه الشدة في ردود الفعل على محاولات مارزل البائسة دخول البلدات العربية؟ لأنه يعلم جيداً، كما نعلم نحن، أنه في اليوم الذي لن نمانع وجود أمثاله في بلداتنا، كل ما تبقّى لنا، سيكون سهلاً عليه انتزاعها منا. هو يعلم هذا جيداً، كما نعلمه نحن، لهذا، هو سيستمر بمحاولاته البائسة، ونحن سنستمر بالتصدي له، إلى أن يكلّ أو يملّ أحدنا.
الجليل ــــــ أنهار حجازي

فلسطين عربية

لا تزال ستي أم ناصر ـــ الله يطوّل بعمرها ـــ حاقدة على العرب عموماً، وعلى الجيوش العربية التي ـــ على أساس فاتت على فلسطين سنة 48 تصدّ الغزو اليهودي ـــ خصوصاً. فلسطين عربية، تقول ستي بكل فخر، تلك المرأة التي تزوّجت أصلاً من قومي عربي استشهد وهو يدافع عن شرف أمته، ولكنها تقول أيضاً إن العروبة تعني نخوة، تلك النخوة التي فُقدت لمجرد دخول الجيوش العربية إلى قريتهم في فلسطين، دعيني أحكي لك القصة المنقولة عن ستي «حلوة».
عام 1948، وصلت قوات الهاغاناه الصهيونية إلى حدود قرية «النبي يوشع» التي هي مسقط رأس ستي أم ناصر، هنا، وإبان دخول قوات الجيوش العربية إلى فلسطين للدفاع عن أرضها، طُلب من سكان هذه القرية إخلاؤها على أن يعادوا إليها بعد شهرين في أسوأ تقدير. لم تكن ستي وأهالي القرية يعلمون بأن المعارك ستستمر 5 أشهر لتصل إلى الحدود الفلسطينية ـــ اللبنانية شمالاً، وستسبّب نزوحهم إلى جنوب لبنان بلا رجعة! بل وتذهب ستي إلى القول صراحة، إن الجيوش العربية هي التي أخرجتهم من فلسطين بالقوة، وكانت تتعرض لهم في عدة مناسبات كي يتركوا القرية التي لم يكن عدد سكانها يفوق المئة عام 1948! دخلت الجيوش العربية قرية النبي يوشع بعد أن أخلت سكانها، ثم دخلها اليهود بعدما أخلوها من الجيوش العربية، وبتقدير ستي «باعوها زي ما باعوا غيرها»! القرية اليوم مدمرة، إلا أن مقام النبي لا يزال صامداً رغم تمشيط القرية بالكامل عرقياً، «ما بعرف يمكن تركوه معلم سياحي» تقول جدتي! تغيّر اسم القرية وأصبح «رموت نفتالي» وهي مستعمرة زراعية يرفّه فيها المستوطنون عن أنفسهم متمتّعين بالطبيعة الخلابة، فوق أنقاض قرية دُمّرت وهُجّر أهاليها وقُتل من بقي فيها. خلاصة القصة، تقول ستي إنه لو كانت القوات العربية تركت أهالي القرية كي يدافعوا عنها لصمدت أكثر من خمسة شهور. ستي تحقد على العرب لأنهم في نظرها كانوا سبب غربتها التي لا تزال مستمرة 63 عاماً. ستي تقول إنه حتى لو استشهد أهالي القرية جميعاً حينها لكانوا على الأقل ماتوا بكرامة بدل عيشة الذل.
لو تقرأ ستي رسالتك يا أنهار، لارتاحت لمجرد معرفتها أن هناك من لا يزال يدافع عن بلدته، ولم يرض أن يهجرها. أنا وستي فخورتان بكم، فلسطين عربية ولو ماتت العروبة في نفوس العرب!
بيروت ــــــ إيمان بشير