جنيف | التحضيرات «اللوجستية» أو «النظرية» على الأقل، للوصول بمبادرة خطة الموفد الأممي _ العربي لحل الأزمة السورية، كوفي أنان، تسير قدماً، وإن بحذر. كلام أنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ترك الباب مفتوحاً أمام تطبيق المبادرة، رغم التشاؤم الفرنسي _ الأميركي _ العربي، مضافاً إليه قلة آمال عدد من المعارضين السوريين. وفد طلائع المراقبين باشر مفاوضاته مع القيادة السورية للتحضير لمرحلة ما بعد نجاح خطة أنان التي يجب أن تطبَّق عند السادسة من فجر الخميس المقبل.
الاعتراض الروسي _ الصيني غاب عن البيان الرئاسي لمجلس الأمن الذي تبنّى خطة أنان بعد «التخفيف» من حدّة بعض مصطلحاته. أمّا التنفيذ العملي على الأرض لسحب القوات المسلحة من المدن والمناطق السكنية، فلا يزال يراوح مكانه، بين تأكيد السلطات، وتكذيب المعارضين. وقدّم أنان سيناريو متفائلاً حول مهلة الـ ٤٨ ساعة التي تبدأ عند السادسة من صباح الثلاثاء ١٠ نيسان الجاري، الموعد الذي وافقت عليه دمشق لوقف إطلاق النار. ويعتقد أنان أنه بحلول الساعة السادسة من صباح الخميس ١٢ نيسان، تكون سوريا قد دخلت مرحلة الوقف الفعلي لإطلاق النار من قبل جميع الأطراف، بما فيها المجموعات المسلحة المنتشرة في عدة مناطق سورية، ولا سيما في إدلب وحمص وحماه وريف دمشق. ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن ضمانات الالتزام بوقف إطلاق النار من قبل المجموعات المسلحة التي تعمل بطريقة شديدة اللامركزية، ولا تأتمر في الكثير من الأحيان بما يصدر من قرارات عسكرية عن قيادة «الجيش السوري الحر» في تركيا، أجاب المتحدث باسم أنان، أحمد فوزي، بأن فريق عمل المبعوث الدولي «أجرى محادثات مع جميع أطراف المعارضة، ومن ضمنهم الجيش السوري الحر، في داخل سوريا وخارجها». وتابع «نتلقى إشارات إيجابية من المعارضة بأنه حالما تلتزم القوات الحكومية بوقف فعلي لإطلاق النار، سوف تنفذ المعارضة التزامها وتسلّم سلاحها».
وفي وقت لاحق، كشف السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، أن بلاده تريد «التزاماً خطياً» من المعارضة بأنها لن تحاول استغلال انسحاب قوات النظام للسيطرة على المناطق التي تتراجع منها، مشدداً على أن أنان «ليس لديه ضمانة» من جانب المعارضة بأنها لن تستغل الوضع.
وكان أنان قد قدم عند الساعة الرابعة بتوقيت جنيف، مداخلة تلفزيونية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لإطلاع المنظمة الدولية على تطور الأوضاع في سوريا، تطبيقاً لما نص عليه قرار الجمعية الذي صدر في ١٤ شباط الماضي. وتحدث خلال اللقاء رئيس الدورة الحالية للجمعية العامة، ناصر عبد العزيز النصر، معرباً عن الأمل في أن يتم التطبيق الفوري للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة السورية وأنان حول خطة النقاط الست. أما الأمين العام بان كي مون، فأكد أن «العنف في سوريا ضد المدنيين لم يتوقف»، مشيراً إلى أن الصراع المندلع منذ أكثر من عام «يزداد سوءاً، رغم قبول الحكومة السورية خطة أنان، إذ لم يتوقف العنف والهجمات على المناطق». في المقابل، كشف أنان أن دمشق أبلغته أنها بدأت بالسحب التدريجي من مدن إدلب والزبداني ودرعا، لافتاً إلى أنه لم يتم التأكد من ذلك بعد، «ولا تزال ترد تقارير عن مستويات مقلقة من القتلى». وأوضح أنان أنه «يجب على الرئيس السوري (بشار الأسد) القيام بعمل أكبر بكثير» لتطبيق سحب القوات والأسلحة الثقيلة من المدن في الأيام الحاسمة المقبلة»، بما أنه «لا تزال ترد تقارير يومية عن مستويات مقلقة من الضحايا وغيرها من الانتهاكات»، على حد تعبيره. وعن تصوره لمصير خطته ومواعيدها، قال أنان إنه «إذا سحبت الحكومة قواتها وأسلحتها من المدن بحلول العاشر من نيسان، فإنه سيدعو الى الوقف الكامل للأعمال العدائية بحلول الساعة السادسة صباحاً بتوقيت دمشق في 12 نيسان». وأكد أنان ما كشفه المتحدث باسمه فوزي عن أن «جماعات المعارضة التي تحدث معها فريقه التزمت بالدعوة الى وقف العنف فور تطبيق الحكومة السورية لالتزاماتها بكل وضوح».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن إعلان قطر والسعودية تخصيص رواتب لأفراد «الجيش الحر» وتسليحه، ومدى تأثير هذا القرار على وقف إطلاق النار، أشار فوزي إلى أن كلاً من الدوحة والرياض «أعلنتا موافقتهما على خطة أنان، ونتعاون مع جميع الدول المؤثرة في الملف السوري من أجل ضمان وقف فعلي لإطلاق النار من قبل جميع الأطراف». وبحسب ما نقله موقع «شام برس» عن فوزي (الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)، فإنّ «أنان توجه الى المجتمع الدولي بطلب تخصيص وحدات عسكرية لإرسالها الى سوريا ضمن بعثة مراقبة أممية»، متحدثاً عن وجود «طلبات من دول أعضاء في الأمم المتحدة بأن تشارك بقوات في مهمة مراقبة وقف إطلاق النار المقرر أن تبدأ في سوريا بعد يوم 10 نيسان». وتابع إن «التقارير الإعلامية عن نشر ما بين 200 و250 مراقباً غير مسلحين ليست بعيدة للغاية عن الواقع»، كاشفاً في الوقت نفسه أن أنان سيجري محادثات في طهران في 11 من الشهر الجاري مع مسؤولين إيرانيين كبار بشأن سوريا.
وكان أنان قد هيأ الأجواء مع القيادة الروسية للحؤول دون اعتراضها على تبنّي مجلس الأمن بياناً رئاسياً يدعم خطته، وهو ما حصل بالفعل في نيويورك. وفي اتصال أجراه مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تلقى أنان طلباً روسياً بالضغط على المسلحين السوريين للالتزام بوقف إطلاق النار. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية أن لافروف، الذي طمأن إلى أن بلاده ستصوّت على بيان مجلس الأمن «في حال عدم تضمّنه إنذارات»، أبلغ أنان «أن موسكو دعمت بيان مجلس الأمن بناءً على فهمها أنه سيتم فرض موعد نهائي ثان للمعارضة السورية المسلحة بإلقاء السلاح».
وكنتيجة لذلك، اتفق مجلس الأمن الدولي على بيان دعا سوريا إلى الالتزام بمهلة العاشر من نيسان لوقف القتال وسحب القوات من المراكز السكانية. ورغم أن نص مشروع البيان حذّر من اتخاذ «خطوات أخرى» إذا لم تلتزم دمشق بذلك، إلا أن دبلوماسيين غربيين أكدوا أنه تمّ تعديل البيان ليصبح «نسخة مخففة من مسودة سابقة»، وهو ما انتهى بنيل تأييد الصين وروسيا. وأبرز ما جاء في البيان دعوة مجلس الأمن الحكومة السورية «للقيام فوراً وبكل وضوح بالتزاماتها، وبتخفيف تحركات القوات نحو المراكز السكانية، وبوقف أي استخدام للأسلحة الثقيلة في هذه المراكز، وبدء سحب التجمعات العسكرية في محيط المراكز السكانية وتنفيذ ذلك بالكامل في موعد لا يتجاوز العاشر من نيسان 2012». وخلص البيان الأممي إلى دعوة «كل الأطراف، بما فيها المعارضة، إلى وقف العنف المسلح بكل أشكاله في غضون 48 ساعة من تنفيذ الحكومة السورية كامل الخطوات المنصوص عليها». ووفق البيان الذي تلته رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري، المندوبة الأميركية سوزان رايس، فإنّه تضمن تشديداً على ضرورة تقديم اقتراحات لآلية مراقبة تنفيذ الخطة، «بعد التشاور مع الحكومة السورية لدراسة هذه الاقتراحات ومنح التخويل لآلية إشراف فعالة وحيادية عند تطبيق العنف المسلح بجميع أشكاله من قبل جميع الأطراف»، تمهيداً لـ«التوصل الى تسوية سياسية سلمية للأزمة السورية».
وكان مسؤول سوري قد كشف لوكالة «يونايتد برس أنترناشونال» عن أن بلاده لم تبلغ أنان بموعد 10 نيسان كموعد نهائي لسحب كامل قواتها والآليات العسكرية الثقيلة من المدن السورية، بما أن «هذه الخطوات مرتبطة باستجابة الطرف الآخر»، ولأنه «ليس هناك دولة ترغب في أن يكون جيشها خارج الأماكن المخصصة له».
وفي السياق، وصل 11 مراقباً دولياً، برئاسة الضابط النروجي روبرت مود، إلى دمشق، وبدأوا محادثاتهم مع نائب وزير الخارجية السورية فيصل مقداد، لبحث نقاط بروتوكول التعاون المقرر توقيعه بين الطرفين لتنظيم مهمة نشر المراقبين في سوريا في حال تطبيق البنود الستة لمهمة أنان.
واستعادت فرنسا لهجتها المتشائمة إزاء نجاح تطبيق خطة أنان، وذلك على لسان وزير الخارجية آلان جوبيه، الذي جدد اتهام الرئيس بشار الأسد بـ«التظاهر بالالتزام بها وهو يخدعنا». شكوك مماثلة أعرب عنها «المجلس الوطني السوري» المعارض.
ميدانياً، كان المعارضون ينفون انسحاب الجيش السوري من المدن التي قال إنه باشر الانسحاب منها، أي الزبداني ودرعا وإدلب. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل 38 شخصاً على الأقل أمس، من بينهم 19 جندياً، والآخرون مدنيون في حمص وإدلب. والأبرز كان تشديد ناشطين معارضين على أن القوات السورية تشن أعنف حملة لها منذ بدء الحراك السوري في ريف دمشق، وتحديداً في دوما وحرستا.