تونس | عاشت تونس طوال عقود تحت رحمة الأشرطة الملفقة من قبل البوليس السياسي للنظام السابق، لتشويه سمعة المعارضين. وقد طاولت تلك الأشرطة والتلفيقات عدداً من أبرز رموز السلطة التونسية الجديدة، من وزير الداخلية النهضوي، علي العريض، إلى رئيس الجمهورية العلماني، منصف المروزقي، لكن تلك السوابق لم تحصن الترويكا الحاكمة الجديدة من الانزلاق نحو ممارسة شبيهة. ففي خضم «حرب المقدسات» التي احتدمت في الأسابيع الأخيرة، خرجت المواقع التابعة لحركة «النهضة» بشريط مثير للجدل يضم اعترافات شاب يدعى رمزي عبشة يقول إنه مرتكب عمليات تدنيس المصاحف في مسجدين بمدينة «بنقردان». وأثار الشريط تساؤلات كثيرة، حيث استغرب البعض «السرعة التي جرى بها إلقاء القبض على المسؤول عن عمليات تدنيس المصاحف، بالرغم من أنه قام بفعلته وحيداً تحت جنح الظلام، فيما لم يتم حتى الآن اعتقال الناشط السلفي الذي دنّس العلم في جامعة منوبة، مع أنه ارتكب فعلته أمام عدسات الكاميرات، وفي حضور مئات الشهود، بحيث انتشرت صوره في كل مكان».
ويمتد شريط الاعترافات، الذي بثه شباب النهضة، 11 دقيقة. ويبدأ بمشهد تقوم خلاله مجموعة من الرّجال الحاملين لمكبرات الصوت بمخاطبة جماهير لا تظهر على الشاشة، لكن المشاهد يسمع أصواتها ترتفع من حين لآخر بالاحتجاج أو
التّكبير.
ويسرد حمَلة مكبرات الصوت تفاصيل إلقائهم القبض على «الشخص الذي اعتدى على الدين الإسلامي» من خلال «توزيع مناشير إلحادية وتدنيس المصاحف بوضعها في مراحيض
المساجد».
وتزعم الرواية الجيمس بوندية، التي يسردها الشريط، بأن مجموعة من «الشباب» المنتمين إلى «جمعية إسلامية» كانت قد شكّت في رمزي عبشة، وتتبّعته إلى أن ألقت عليه القبض. ويؤكد «الجاني» في اعترافاته أن «الإخوة» عاملوه بـ «كلّ أدب ولطف»، رغم اعترافه بأنه «ملحد ومثلي وبقيامه بتدنيس المصاحف من أجل دعم العلمانية». الشيء الذي ينمّ عن قدر غير معهود من التسامح لدى شباب التيارات السلفية التونسية!
بعد تلك المقدمة الميلودرامية، يظهر «الجاني» رمزي عبشة جالساً على كرسيّ أمام أطراف مجهولة تستجوبه من وراء الكاميرا، ويقول: «دفعني إلى هذا العمل شخص اسمه جمال العزعوزي، وقد سكنت معه في المبيت الجامعي، وهو أستاذ مهمّته نشر الإلحاد».
ثمّ يردّد ثلاث مرات بالفصحى والعامية التونسية: «لا أحبّ الإسلام، وأريد أن تنتصر العلمانيّة، لأنّني مثلي، والعلمانيّة تمكّنني من الزّواج برجل»، قبل أن يدلي باعترافه الأخطر: «أنا علماني من جماعة «أعتقني»»!
اللافت أن هذه الأقوال تذكّر بما تروّج له المواقع الإسلامية التونسية على شبكات التواصل الاجتماعي، من حيث الربط بين العلمانيّة والمثليّة الجنسيّة، ونعت العلمانيين بـ «جماعة أعتقني» (اعتقني تعني أطلق سراحي باللهجة التونسية). وكانت هذه التسمية التسخيفية قد برزت على المواقع المعادية للعلمانيين، إثر رفع شعارات «أعتقني» خلال التظاهرات العلمانية في تشرين الأول 2011، احتجاجاً على الهجمات التّكفيريّة وحملات التشويه التي تستهدف الشخصيّات الفنية والثقافية ورموز اليسار التونسي. وتعرضت تلك التظاهرات لهجمة شديدة على المواقع الإسلامية، حيث جرى التندّر بتحوير شعار «أعتقني» إلى «عنّقني» ( أي احضنّي)، في سياق اتهام الحركات العلمانية بـ «الانحلال الأخلاقي، والترويج للمثلية، والسعي إلى تشريع الزّواج المثلي». وأصبح كلّ من لا يوافق هوى الإسلاميّين التونسيين يُنعت بأنّه من جماعة «أعتقني».