كيف توصَف العلاقة الحالية بين المجلس العسكري المصري والاخوان المسلمين؟ ما مدى صلابة المجلس؟ علام ينوي الإخوان؟ ماذا سيختار الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية؟ ما هو السيناريو الذي سيرضي الشارع المصري والإسلاميين والذي ستخرج به مصر سالمة مع احتفاظ العسكر بحصانتهم وحصصهم الاقتصادية؟ ماذا عن الدور الإقليمي الذي بدأت تلعبه حركة الاخوان المسلمين؟ هل هو لصالح إسرائيل؟ هل سيساوم الإخوان العسكر على الرئيس المصري الجديد؟

أسئلة كثيرة طرحها الإعلام الأميركي والبريطاني في الايام الماضية، وخصوصاً مع التطورات التي تشهدها ملفات مصرية حساسة مثل وضع الدستور والترشح لرئاسة الجمهورية والبيانات والبيانات المضادة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين. ولعلّ الخبر اليقين الوحيد الذي اخترق تساؤلات الاسبوع الماضي، كان موافقة الإدارة الاميركية على صرف مساعدات بـ ١،٣ مليار دولار للجيش المصري، «متجاهلة الشرط الذي يقضي بالتثبت من مساعي إحلال الديموقراطية في مصر»، كما لفت معظم المعلّقين. انتقادات كثيرة وجهت إلى إعلان وزارة الخارجية الأميركية صرفها أكثر من مليار دولار من «أموال دافعي الضرائب الأميركيين» كمساعدات عسكرية لمصر، ومعظم المنتقدين خلصوا الى أن «إدارة باراك أوباما لا تكترث بالديموقراطية وحقوق الإنسان بقدر ما يهمها البزنس والصفقات التي تدرّ أموالاً لشركات السلاح الأميركية».
ستيفن لي مايرز، في مقال في صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، نقل عن بعض المسؤولين المعنيين قولهم «إن أي خفض أو تأجيل لتلك المساعدات كان يعني فرط العقود المبرمة مسبقاً مع شركات تصنيع الأسلحة الاميركية، ما كان سيؤدي الى إغلاق عدد من مصانعها ودفع الإدارة مستحقات جزائية لها من أموال دافعي الضرائب الأميركيين وذلك في عزّ حملة أوباما الانتخابية». لكن مايرز يشير أيضاً الى الحملة التي تعرضت لها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من قبل النواب الجمهوريين ومنظمات حقوق الانسان، الذين ذكّروا باحتجاز السلطات المصرية ناشطين أميركيين أخيراً وإحالتهم الى محاكمات جنائية ومنعهم من السفر. الصحافي الأميركي يشير، من جهته، الى أن كلينتون «استخدمت سلطتها وفق القانون الجديد لتتجنب الحاجة لإثبات حفاظ السلطات المصرية على حقوق الانسان» كشرط من شروط التوقيع على الهبات. طبعاً، وزارة الخارجية، على لسان فيكتوريا نولاند، بررت تخطي كلينتون ذاك البند بالقول «إننا فعلنا ذلك لتأكيد حرصنا على أن تكون مصر الضامنة للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة». مايرز نقل أيضاً «حرص» شركات السلاح المعنية، مثل «لوكهيد مارتن» و«جنرال دايناميكس»، على «الحفاظ على العلاقة المتينة التي تجمعها بالزبون المصري منذ الثمانينيات».
لكن علاقة التسليح التاريخية تلك، كانت محطّ انتقاد إحدى افتتاحيات «ذي نيويورك تايمز» التي رأت أن «الولايات المتحدة فوّتت فرصة تغيير طبيعة علاقتها التاريخية المبنية حول العسكر مع مصر فاختارت الا تبنيها، بعد الثورة، مع المجتمع المدني». «كان حرياً بالإدارة الاميركية أن تؤجل جزءاً من المساعدات لتظهر دعمها المتين للمسار الديموقراطي في البلد»، تخلص الافتتاحية. وتضيف «في المرحلة المقبلة ستعيد مصر كتابة دستورها وستنتخب رئيساً جديداً. والمصريون بحاجة إلى من يطمئنهم إلى أن الولايات المتحدة تدعم الانتقال الديموقراطي للسلطة، لكن إرسال المساعدات العسكرية الأخيرة كان رسالة أميركية خاطئة».

جيشان لا جيشاً واحداً

لي سميث، في معهد «هادسون»، يرى أن إدارة أوباما، «تنبّهت أخيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير في سياسة مصر بعد سنة على سقوط نظام حسني مبارك، الا من خلال المساعدات». سميث يستنتج أن «مصر هي حالياً في وضع أقوى من الولايات المتحدة في عملية المساومة». لكن الكاتب يحذّر مما سمّاه «جيشي مصر». إذ حسب سميث «هناك جيشان في مصر، الأول هو الممثل بضباط المجلس العسكري الذي تتعامل معه الإدارة الأميركية وسياسيوها بهدف منع الجيش الثاني من الصعود». فمن هو الجيش الثاني؟ يقول سميث إنهم «مجموعة من الضباط الشباب الطامحين لاستعادة دور مصر القيادي في العالم العربي والذين تجول في مخيلتهم فكرة الانقلاب على الضباط الحاليين وفرض قواعدهم وأجندتهم المختلفة». «تخيلوا لو قاد هؤلاء الضباط نظاماً إسلامياً، وأمّة من ٨٠ مليون نسمة على حافة الافلاس وتهدد بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل؟» يسأل سميث، ويردف «لذا، ما يسعى اليه المجلس العسكري المصري والبيت الابيض حالياً هو الحفاظ على المباركية من دون مبارك».
مشكلة جديدة لفت اليها جيفري فلايشمان، في صحيفة «لوس أنجلس تايمز»، في إطار تمسّك المجلس العسكري بالسلطة وهي المكاسب الاقتصادية التي يحققها الضباط. فلايشمان يلفت الى هيمنة الضباط على قطاعات ومنتجات «لا نربطها عادة بالبدلات العسكرية» مثل زيت الزيتون، والأسمدة، والتلفزيونات وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، والسجائر والدواجن والخبز والمياه المعدنية والملابس الداخلية، فيما تحتل تلك المؤسسات المرتبطة بالضباط ما يراوح بين ١٠ و٤٠٪ من الاقتصاد المصري، يقول الكاتب مستذكراً رفض الضباط هيمنة جمال مبارك على بعض الشركات وقطاعات الانتاج وعدم تأييدهم لخلافة والده قبل الثورة. فلايشمان يردف أن «الاسابيع المقبلة ستكشف كيف سيساوم المجلس العسكري قبيل انتخاب الرئيس الجديد للحفاظ على مصالحه الاقتصادية تلك. فهل يدخل في صفقة مع الإخوان المسلمين للإتيان برئيس داعم أو حليف لهم؟». ويجيب الكاتب «إن مصير المجلس العسكري وضباطه سيحدده مدى ذكاء وصبر الاخوان المسلمين في الاشهر القليلة المقبلة».
فهل «حان منتصف الليل عند سندريلا المجلس العسكري؟» كما يسأل ناثان براون في معهد «كارنغي». وهل سيواجه الضباط مصيراً مرّاً في الأشهر المقبلة؟ أم أن خيوط المساومة بدأت تنسج على قاعدة أن الإخوان لن يفرّطوا بحلم وصولهم الى السلطة ولذا سيعقدون صفقة العمر مع الضباط.

الحصانة مقابل الاستقرار

جاك شانكر، في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، يعرض الضغوط الغربية الدبلوماسية التي تمارس على الإخوان منذ فترة من أجل ضمان حصانة ضباط المجلس العسكري وعدم محاكمتهم بعد انتخاب رئيس للبلاد. شانكر يكشف أن الخارجية البريطانية بحثت مع الإخوان عن موضوع حصانة الضباط.
مدير معهد دراسات الشرق الاوسط في جامعة جورج واشنطن الاميركية مارك لينش يشرح لصحيفة «ذي واشنطن بوست» أن الإخوان «الذين يبدون براغماتيين لغاية الآن، هم في موقف قوي ويسائلون المجلس حول عدد من القضايا كقبول المساعدات الاميركية مثلاً». لكن لينش يتوقع أن يغيّر الإخوان من نهجهم المباشر ويدخلوا في مساومة كبيرة مع المجلس العسكري قريباً تضمن للضباط حصانتهم وتبقي على استقرار البلاد.
المعلّق في مجلة «ذي نايشن» الأميركية، روبرت دريفوس، يشهر موقفاً معادياً للإخوان. في مقال على مدونته بعنوان «ضد الإخوان المسلمين»، يشرح دريفوس لماذا يرفض سياسة الإخوان بشكل عام ويخشى تسلمهم الحكم في مصر وتونس وليبيا وسوريا وفلسطين المحتلة وغيرها، ويقول إن «مشكلة الإخوان هي في أن سياساتهم ترتكز على الدعم اللامحدود للرأسمالية والاقتصاد الحر وعلى مبادئ محافظة جداً في الشؤون الاجتماعية». دريفوس يحذّر من ازدواجية الإخوان في مصر، التي برزت في القرارات المتناقضة بشأن ترشيح أحد الأسماء لرئاسة الجمهورية إضافة الى ترجيح الكثيرين دخولهم في صفقة مع العسكر لضمان بقائهم في الحكم مقابل حصانة الضباط.



إخوان مصر لـ«حماس»: إرمي السلاح!

مقال دايفد كيركباتريك في «ذي نيويورك تايمز» حول المساعي التي يبذلها الإخوان المسلمون في الشأن الفلسطيني، أثار الاهتمام الصحافي الأميركي. كيركباتريك نقل عن مسؤولين في حركة الإخوان في مصر أنهم يضغطون على «حماس» لتوافق على تنازلات جديدة لـ«فتح» من أجل التوصل الى اتفاق حول المفاوضات مع إسرائيل. الإخوان، حسب المقال، تراجعوا عن دعم «حماس» واحتضان التزامها بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل من أجل فتح قنوات اتصال مع «فتح». وأضاف، عندما يتفق الفلسطينيون في ما بينهم ويتعاونون مع مصر الجديدة، فإن ذلك سيمكنهم من جرّ إسرائيل الى مساومة جدّية حول إقامة الدولة الفلسطينية.
وفيما سلط بعض المحللين الضوء بحذر على الدور الاقليمي المتعاظم لإخوان مصر وتأكيدهم يوماً بعد يوم على قيادة القرار السياسي الخارجي المصري، رحّبت معظم الأقلام اليمينية بالخبر واعتبرته، كما عنونت «ذي ناشيونال انترست» «فرصة مصرية» يجب على كل الساعين الى السلام اغتنامها.