هل تعرف غزة؟
تحدثُ في غزة مُعجزات واقعية: يحدثُ أن تتغيَّر ساعتك البيولوجية، كل يوم، على مزاج وكَيف الحكومة التي تتحكم في مواعيد زيارات الكهرباء. أقول مصطلح «زيارات» لأنها تأتي وتذهب بخجلٍ من يخاف أن يفهم أنه يعتزم الإقامة، أو خوفاً من العقاب كطفل يطلّ برأسه ثم يهرب!
يحدثُ أن تمشي في الشارع، في عزِّ البرد، أو في عزِّ الحرّ، والاثنان متوافران لدينا، ليس نشاطاً رياضياً أو ترفيهياً، ولكن لتحفظ بعضاً من كبريائك؛ لأنه «ولا سيارة سرفيس تتوقف لك»، وحتى لو وضعت ريشة حمراء فوق رأسك «ما حنَّت عليك سيارة»!
ولو خرجت في مقابلة ما، لاستطلاع آراء الناس في طريقة إدارة حكومتنا للقطاع، فإنك تقول ببساطة ما يُنجِّيك، وقد عُلِّمتُ أن الصدق خيرُ مُنجٍّ، أولم نُعلَّمُ هذا؟! تأتي صاحبتي، تركض خلف خطواتي «هيي.. هيي.. ما تلتفتي، أخدو اسمك في الشرطة، انتبهي لحالك.. سلام»!
يحدثُ أن تبكي، وأنت تعرف أنه لا أحد يرى نفسه في المرآة ليراكَ أنت! الكل مشغول كيف يُدبِّرُ معاش يومه. نحن في غزة أشبه بثور الساقية! ندور وندور، ولكن لا حقول خضراء توجد، أو لا نجد هذا الوقت الفارغ والكافي لنسأل أنفسنا: هل نحتاج إلى نزهة؟
وتتوسَّل صديقك ألا يعتبرك عميلاً لليهود إذا ما قلت: «والله كنا عايشين ملوك أيام ما اليهود كانت بغزة. بالنسبة لهلق!».
«هل تعرف غزة؟»، عزيزي الإنسان؟ ربما. وسواء كنت تعرفها أو لا، والله لن تعرفها إلا حين تعيش فيها. حين تقرأ كتاباً على ضوء شمعة، وحين تضطر إلى أن ينتابك صراع لاستغلال كل لحظة كهرباء، ستدخر مصروف المنزل لتعبئة أسطوانة الغاز، سيذهب أطفالك من دون مصروف؛ لأن هناك سوء تفاهم بين الحكومة والبنوك!
أكثر من اعتصامٍ يُقام يومياً، ستتمنى لو أنك كنت أكثر من شخصٍ، لتوزِّع نفسك عليها كلها، وتُناصر القضية «أقصد القضايا» العالقة التي لا يبقى منها في النصوص الموزعة على الإعلام سوى «نشجب ونستنكر» من قِبل المسؤولين!
ستمشي كثيراً، أو تضطر إلى أن تكون «عجينة بشرية» بجانب ثلاثة رُكَّاب في الكرسي الواحد. يُعجبُك أو لا، هذا هو الموجود يا أخي!
يحدثُ أن تكون رقماً لا اسماً، حين يمُنُّ الله عليك بشهادة، أو إصابة!
فابتسم هذه غزة.
غزة ـــــ أماني شنينو

لن يعرفوا القطاع!

لا أستطيع أن أكذب عليكِ وأقول لكِ بلى أنا أعلم ما يحصل في غزّة، وأشعر بما يشعرون، ولو كان قلبي عندهم. فلا أحد يدري ما يحصل في غزّة سوى أهلها الكرام، الصابرين على غلّ الحصار الداخليّ والخارجيّ و«التطنيش» العربيّ والعالميّ.
عند قراءتي لما كتبت لي، «اقشعر بدني خيتا! شعرتُ بضياعٍ؛ فأنا لا أدري ماذا أقول! وكيف أساعدكم على حلّ الأمور العالقة هذه في مشنقتي التاريخ والجغرافية العربيّتين».
كلّ ما فعله العرب هو الاعتذار. يقولون «نعتذر غزّة، نحن لم ننسك، ولكنّ أموراً أخرى شغلتنا عنكِ!». وهناك المزيد من الأعذار «اللي صاير بغزّة هاد إلهاء عن اللي صاير بسوريا، (إسرائيل) بدها تحمي مصالحها»، والمزيد المزيد من التفاهات التي لا تساوي شيئاً أمام نفسٍ من طفلٍ غزّيّ مات بسبب التوقّف الفجائيّ لجهاز التنفّس الاصطناعي، بسبب انقطاع الكهرباء. نسوا قضيّتنا، وأنّها القضيّة الأساس، فقدوا نعمة المنطق، وأنّ كلّ المشاكل تحل بحل قضيّة فلسطين!
«ما علينا. الحكي لا بيقدّم ولا بيأخّر». المهم، رأيت اليوم في نشرة الأخبار، أنّ أزمة الكهرباء في غزّة دخلت مرحلة الحل، بعدما أدخلت مصر مخزوناً من المحروقات إليكم. أتمنّى أن يكون كلّ هذا الكلام صحيحاً.
وللأسف، إذا بدأتُ الآن بالتكلّم على حالتنا نحن أيضاً، الفلسطينيين في الشتات، فلن أنتهي! من قوانين مجحفة بحقنا كقانون العمل في لبنان، حيث هناك أكثر من 60 مهنة ممنوعاً علينا العمل فيها، فقط لكوننا لاجئين فلسطينيّين. لا أحد يأخذ في الاعتبار أن المؤقت أصبح باستمراره حكماً مؤبداً. إلى حق التملك، حيث إنه ممنوعٌ علينا امتلاك حتى منزلٍ يؤوينا. وإن كنّا مالكين لأحد البيوت، فبعد موتنا ليس لنا أن نورثه لأولادنا. من يرثنا هو الأوقاف السنية. كأنها أعز علينا من أولادنا. ولا ننسى التمييز العنصري و.. و..! كلنا نعاني حسب أوضاعنا. قد لا تكون متشابهة، ولكن النتيجة واحدة، كأنّه قانونٌ قد بُتَّ لنا وحدنا! أنت فلسطيني، يجب أن تعاني! لا يشعر بنا غيرنا، ولا يعرف ما نحن وما بنا إلّا أنفسنا، فلا تسَلي، لن يعرف غزّة إلّا من كان بغزّة!
مخيم البداوي ـــــ تانيا نابلسي