توجه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الخاص إلى سوريا، كوفي أنان، الى اعضاء مجلس الامن الدولي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من جنيف، معلناً انه «يواصل النقاش على الرغم من الردود المخيبة للامال حتى الان»، وأن «مقترحاته الواردة في ست نقاط» تبقى مطروحة على البحث. واعلن انه سيرسل الأسبوع المقبل الى دمشق خبراء لبحث احتمال ارسال فريق في مهمة مراقبة دولية الى سوريا، كما أضاف هؤلاء الدبلوماسيون. لكنهم لم يعطوا تفاصيل عن هذه المهمة. وأمام مجلس الأمن، اعلن أنان «أنه لا يتوهم بشأن حجم المهمة التي تنتظره»، وأقر بأن هناك «إمكانات لحصول مراوغة» من جانب النظام السوري، لكنه اشار الى «أن لديه عملاً يقوم به، ومسؤولية ليحاول وليظهر أنه مبدع ومرن»، كما اضاف الدبلوماسيون. ووجه أنان، نداءً إلى الدول الخمس عشرة في مجلس الامن الى الوحدة للضغط على الرئيس بشار الأسد. واضاف «كلما كان موقفكم قوياً وموحداً، كانت الفرص كبيرة لتغيير دينامية النزاع».
وعقب جلسة المحادثة مع اعضاء مجلس الامن، أعلن أنان أنه ينبغي التعامل مع الوضع في سوريا «بحذر شديد للغاية» لتجنب تصعيد من شأنه زعزعة استقرار المنطقة. وقال إنه دعا مجلس الأمن إلى التحدث «بصوت واحد» لوضع حد لأعمال العنف، وتمكين عمال الإغاثة من الدخول دون عائق الى المناطق المتضررة، وبدء عملية سياسية تؤدي إلى تحقيق الديموقراطية في سوريا.
وعبّر أنان عن ارتياحه بفعل «التصميم القوي» من جانب القوى العالمية على العمل معاً، لكنه لم يقدم تفاصيل عن إفادته أمام مجلس الأمن. وقال للصحافيين في جنيف «نعم نميل إلى التركيز على سوريا، لكن أي سوء في التقدير يؤدي إلى تصعيد كبير سيكون له تأثير في المنطقة، وسيكون من الصعب للغاية التعامل معه». وأضاف إن محادثاته مستمرة مع الحكومة السورية بشأن وقف العنف، بعد محادثاته في مطلع الاسبوع مع الرئيس بشار الاسد، والجناح غير المسلح في المعارضة السورية، والاجتماع مع رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان. وقال انان «ما أبذله من جهد مضن هو من أجل الشعب السوري».
واجتمع انان امس مع سفيري الصين وروسيا لدى الأمم المتحدة في جنيف. وقال «لقد شجعني الدعم القوي للغاية وتصميم المجلس على العمل معاً. وأعرف أن بعضكم يبتسمون. هناك اختلافات عدة، لكن هذا طبيعي أيضاً. ويحدوني الأمل في أن تسمعوا المجلس قريباً جداً، وهو يتحدث بصوت واحد».
وفي تصريح لمراسل «الأخبار» في نيويورك نزار عبود، قال مندوب سوريا في الأمم المتحدة، بشار الجعفري إن أنان أبلغ المجلس أن الحكومة السورية تنخرط في عمله على نحو إيجابي لإنجاح المهمة، وأنها ملتزمة بذلك. وتوقع أن يصل الفريق الفني لأنان إلى دمشق يوم الأحد المقبل. وكشف الجعفري أن من ضمن المباحثات التي تدور، السعي إلى إصدار وثيقة شاملة تتطرق إلى كافة الأمور، بما فيها تعهد الدول عدم إرسال أسلحة، أو السماح بمرورها عبر أراضيها إلى المسلحين السوريين. وأضاف إن الحملة العسكرية الجارية لا تستهدف المعارضة، بل المسلحين فقط. ومن ضمن ما يبحث، هو إصدار عفو عام عن المسلحين «ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، الذين سيحاسبون أمام القضاء». أما من لم يتورطوا، فإنه يمكن بحث وضعهم في إطار التفاهم حسب قول الجعفري. وتوقع أن تتواصل المفاوضات من أجل التوصل إلى تفاهم على كافة النقاط، بما فيها وقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية وغيرها من القضايا العالقة. وقال الجعفري إن جميع البعثات تطالب بضرورة وقف النار من كافة الأطراف.
وعلمت «الأخبار» من مصادر دبلوماسية موثوق بها في نيويورك أن الحكومة السورية أبدت تجاوباً تاماً مع مهمة أنان، لكنها حرصت على التعامل معه على مبدأ التفاوض على كل نقطة تطبيقية على حدة، لا على مبدأ إما القبول أو الرفض. ومن ضمن ما قاله أنان لمجلس الأمن إن اتصالاته بقادة الجماعات المسلحة لم تجرِ أثناء وجوده في سوريا، لأنه لا يعرف حتى الآن هوية القادة، ولا أماكنهم.
وفيما رفض وفد المغرب في مجلس الأمن إحاطة المجموعة العربية بما جرى داخل الجلسة المغلقة بحجة السرية، تسرب أن روسيا والصين عبرتا عن رفضها أيّ ضغوط تمارَس على دمشق من أجل حملها على التخلي عن مواقع داخل المدن التي دخلتها، أو المواقع القتالية الأخرى كي لا يحتلها المسلحون بعد فراغها، كما رفضتا إقامة أيّ مناطق منزوعة من الأمن السوري، أو ملاذات آمنة.
وفي رد فعل على بيان أنان، اشارت البعثة الفرنسية في الامم المتحدة الى ضرورة «البقاء متيقظين حيال تكتيكات مماطلة» تنتهجها دمشق. وقالت البعثة على موقعها على تويتر «سنعرف سريعاً ما اذا كان النظام (السوري) يرغب في التحاور جدياً أم استغلال ملامح حوار لمواصلة قتل المدنيين». الخطوة التالية بعد هذه الإحاطة تقضي بأن يرسل أنان فريقاً فنياً الأحد للتفاوض مع الحكومة السورية بشأن النقاط والاقتراحات لوقف القتال وتوزيع المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الموقوفين ومنع التدخل الخارجي، ومنع إيصال السلاح أو مروره للمتمردين. وسيقرر أنان على ضوء زيارة الوفد الفني موعد زيارته المقبلة إلى دمشق، بعد مباركة مجلس الأمن لمهمته. وبالتالي فإن الجميع ينتظر نتائج زيارة الفريق الفني لدمشق.
وقد اعلن انان ان فريق الامم المتحدة سيزور سوريا في عطلة نهاية الاسبوع الجاري، لاجراء محادثات. وقال «آمل أن يُمنح الوفد جميع التسهيلات اللازمة».
ورحبت سوريا بزيارة البعثة التي ألّفها انان لمناقشة القضايا المتعلقة بمهمته في سوريا، على ما افادت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا). ونقلت الوكالة عن وزارة الخارجية السورية انها «ترحب بزيارة الفريق الفني الذي ألّفه انان لمناقشة القضايا المتعلقة بمهمته في سوريا». وكانت سوريا قد أكدت في وقت سابق أنها تتعاون مع انان، لكنها اكدت مجدداً عزمها على مكافحة «الإرهابيين»، الذين تنسب اليهم اعمال العنف في البلاد. وجاء ذلك في رسالتين متطابقتين وجهتهما وزارة الخارجية السورية الى رئيس مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة بان كي مون «حول الجرائم التي ارتكبتها المجموعات الارهابية أخيراً في محافظة حمص، وغيرها من المحافظات السورية». واكدت الحكومة، بحسب نص الرسالة، الذي اوردته وكالة الانباء الرسمية (سانا)، «أنها ماضية في اداء واجبها في حماية مواطنيها ونزع أسلحة الإرهاب ومحاسبة مرتكبيه».
(سانا، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)