مصراتة | خرج عدد من المطالبين بالفيدرالية في مدينة بنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي، أمس، في مسيرة أتت بعد أسبوع من خروج الآلاف في شرق البلاد وغربها وجنوبها في تظاهرات حاشدة احتجاجاً على إعلان زعماء سياسيين وقبليين منطقة برقة إقليماً اتحادياً. ولاقت الدعوات إلى الفيدرالية، كخيار لنظام الحكم في ليبيا، رفضاً شعبياً ورسمياً مع اطلاق تحذيرات من خطر أن يكون مجلس برقة أولى خطوات الانقسام في ليبيا.
وفي خطوة منه لامتصاص مطالب قادة برقة الذين يخشون تهميش منطقتهم في الهيئات القيادية الجديدة في ليبيا بسبب المركزية ورفضهم لعدد المقاعد التي كانت مخصصة لهم في المجلس التأسيسي، ألّف المجلس الوطني الانتقالي هيئة صياغة لدستور البلاد التي يفترض أن ينشئها، وقرر أن تتألف من ستين عضواً يمثلون «الأقاليم الثلاثة» بالتساوي، لصياغة مسودة الدستور على أساس اللامركزية.
وجاء القرار في تعديل أُدخل على الاعلان الدستوري المؤقت الذي أصدره المجلس في الثالث من آب 2011 في بنغازي، خلال الثورة على نظام العقيد معمر القذافي، لتنظيم العملية الانتقالية وعمل الدولة في ليبيا حتى اعتماد دستور جديد من قبل مجلس تأسيسي منتخب.
ويطال التعديل المادة 30 من الإعلان، التي أصبحت تقضي «باختيار هيئة تأسيسية من غير أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخب لصياغة مشروع دستور للبلاد تتكون من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا في 1951».
وكان المجلس العسكري الأعلى في برقة قد أصدر بياناً قبل أيام، حدد فيه جملة من المطالب، بينها التساوي في عدد مقاعد المؤتمر الوطني العام والتساوي في لجنة صياغة الدستور، كما طالب البيان باعتماد نظام الفيدرالية في الدستور الليبي الجديد.
من جهتها، أفادت رئيسة اللجنة القانونية في المجلس الوطني الانتقالي، سلوى الدغيلي، بأن «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور»، وعلى غرار لجنة الستين التي شُكّلت خلال مرحلة استقلال ليبيا في 1951 في عهد الملك ادريس السنوسي، ستضم عشرين شخصاً من كل من الاقاليم الثلاثة برقة وطرابلس وفزان.
كذلك تحدثت الدغيلي عن توزيع جديد للمقاعد في المجلس التأسيسي الذي يضم مئتي عضو منتخب، موضحة أن مئة من هذه المقاعد ستخصص للغرب «بدلاً من 102»، وستين للشرق وأربعين للجنوب. كما قرر المجلس أن يحصل التصويت في المجلس التأسيسي بغالبية الثلثين. وقالت الدغيلي إن «منطقة الغرب لن تتمكن بذلك من تمرير قرار من دون موافقة المنطقتين الاخريين».
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، أن المجلس الانتقالي أخطأ في تعديله، مؤكداً أن هذه الخطوة ضربت أول مسمار في نعش الوحدة الوطنية «بعد التعديلات الأخيرة لإرضاء الفيدراليين، ويبدو أن المجلس وجد أن الحل الأفضل لإرضائهم هو توزيع المشاركة بالتساوي بين اقاليم الوطن الثلاثة في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ولأن المجلس يعلم بأن المساواة في المقاعد البرلمانية بين المناطق الثلاث بالتساوي هو أمر أكثر من مُجحف بحق اقليمين لصالح إقليم ثالث، وان المساواة الكاملة في المقاعد سينتج منها تهميش وإقصاء كبيران لإقليم بعينه، وقد حاول الفيدراليون للمرة الثانية ترتيب توزيع الكراسي البرلمانية بين الاقاليم الثلاثة بطريقة تظلم فعلاً أحد الاقاليم ولكن ليس بصورة صارخة ومستفزة كما لو انه ساوى بينها في التمثيل النيابي بصورة كاملة».
وكان الاجدى بالمجلس، حسب عقيل، «ان يُصدر بياناً يرفض فيه هذه المحاولة الانقلابية، واقالة السنوسي من المجلس الانتقالي، وأن يسمح لهؤلاء بتأسيس حزب او تيار سياسي، ولا يفسح المجال لقلة بالتلاعب بدماء الشهداء». ويأمل عقيل «أن يتمكن المجلس من انجاز انتخابات ناجحة بهذه التعديلات وان يتمكن بواسطتها من إفراز برلمان محترف يكون قادرا فعلاً على تسلم دفة الحكم منه وإدارة شؤون البلاد بصورة طبيعية تلبي تطلعات الليبيين».
وكان اعلان بعض فعاليات الشرق الليبي منطقة برقة اقليماً ذا حكم ذاتي وتأسيس مجلس انتقالي برئاسة عميد السجناء السياسيين الشيخ أحمد الزبير السنوسي، قد اثارا موجة رفض واسعة في الشرق والغرب والجنوب تخوفاً من تقسيم البلاد.
وكانت ليبيا في خمسينات القرن الماضي مقسّمة إلى ثلاث ولايات هي ولاية برقة وولاية طرابلس وولاية فزان، لكن هذا التقسيم انتهى في الأيام الأخيرة من حكم الملك إدريس السنوسي، وتحولت البلاد من بعده إلى سلطة مركزية ديكتاتورية حكمها القذافي طيلة 42 عاماً، وجرى خلالها، كما يقول المراقبون، تهميش الأقاليم البعيدة عن العاصمة، ما نتج منه حالة من الغضب الدفين طيلة هذه العقود.