القاهرة | المعركة حول الدستور بدت، منذ تعطيل الدستور القديم بعد الثورة، معركة نخبوية بين إسلاميين و«مدنيين»، خفت فيها صوت اليسار المستقل وانتفت فيها الدعوة إلى تضمين الدستور الحقوق الاجتماعية. وزاد من اتساع الفجوة بين الجدل في الدستور وحياة الناس اليومية تدهور مستويات المعيشة بعد الثورة، من دون أن يجد الناس لها أثراً يذكر في المقترحات بشأن الدستور الجديد. التدهور يجسده مثلاً 399 ألف عاطل جديد من العمل لتصل البطالة إلى 12.4 بالمئة، مع ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 8.6 بالمئة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. برامج الأحزاب، التي من المفترض أن تكون مكلفة كتابة الدستور، لا يوحي بتغييرات خاصة بالحقوق الاجتماعية، ولا سيما أنها تمثّل امتداداً للسياسة الاقتصادية الموروثة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. فعلى صعيد مواجهة الفقر في البلاد، يتساوى حزب «الحرية والعدالة» مع حزبي «الوفد الجديد» و«المصريون الأحرار» الليبرالي، وهما الحزبان اللذان فازا بالنصيب الأكبر من مقاعد البرلمان من بين القوى غير الإسلامية. ولا ينص برنامج «الوفد» الاقتصادي والاجتماعي على أي توجه ملموس بخلاف السوق الحرة، فيما «المصريون الأحرار»، الذي أسسه عملاق شركات تشغيل الهواتف الجوالة نجيب ساويرس، «يؤمن باقتصاد السوق كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ويرى استهداف زيادة الثروة القومية بدلاً من إعادة توزيعها»، حسبما ينص برنامجه الاقتصادي الذي يتضمن تفعيل شراكة الدولة مع القطاع الخاص، وهو ما كانت حكومة الحزب الوطني المنحل قبل الثورة قد بادرت إليه.
أما «الحرية والعدالة»، فيتعهد في برنامجه الاقتصادي مثلاً «ألا يقل الحدُّ الأدنى لأجر العامل عن 1200 جنيه، وذلك بالتدريج على فترة خمس سنوات»، وهو ما وعد به وزير المال الأسبق سمير رضوان في حكومتي أحمد شفيق وعصام شرف. ولا يرفض الحزب الخصخصة، إلا أنه يعد بـ«التوجه إلى أشكال أخرى من الخصخصة أكثر جدوى ومناسبة للاقتصاد المصري». وما لم يذكره البرنامج تولاه نائب المرشد العام لـ«الإخوان»، خيرت الشاطر، في حديث مع صحيفة «فايننشال تايمز»، حيث أكد أن «الإسلام يدعم اقتصاد السوق الحرة». لكنه استطرد قائلاً إن «هذا الاقتصاد في ظل الإسلام لا بد أن تكون الرغبة في الربح فيه محكومة بمراعاة العدالة الاجتماعية». وربما ذكّر الكلام على «العدالة الاجتماعية» وربطها بالسوق الحرة بما كان يراه جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، من أن «سياسات العدالة الاجتماعية هي الركيزة الأساسية لرؤية الحزب الوطني».
بناءً عليه، قد لا يجد الناس فرقاً يذكر بين طرفي المواجهة حول الدستور في ما يتعلق بالحياة اليومية، على الرغم من مبادرات من قبيل «العمال والفلاحون يكتبون دستورهم»، التي أطلقتها عدة منظمات حقوقية لجمع أفكار في هذا الشأن ولمحاولة الوصول إلى البسطاء لإشراكهم في معركة كتابة الدستور، التي تدور داخل الغرف المغلقة.
ويقول النائب كمال أبو عيطة، رئيس الاتحاد المستقل للعمال، القيادي في حزب الكرامة (الناصري)، لـ«الأخبار» إنه سيخوض المعركة مع زملائه، مستفيداً من خطأ القوى السياسية بالتركيز على معارضة تعديل المادة 76 في الدستور عام 2007 (المتعلقة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية) وإهمال التعديلات في البنود الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ حُذفت البنود الاشتراكية التي أضافها جمال عبد الناصر إليه من قبيل الدور القيادي للقطاع العام في التنمية، وتحالف القوى العاملة.
لكن أبو عيطة عضو في حزب لا يحتل في مجلس الشعب أكثر من 1.2 بالمئة من مقاعده، فيما لا يزيد نصيب بقية فصائل اليسار مجتمعة كثيراً على النسبة نفسها.