القاهرة | حُكي الكثير قبل اللقاء العربي ـــ الروسي الذي طال انتظاره، والذي عُقد أول من أمس في القاهرة تحت لواء الجامعة العربية على هامش اجتماع الدورة العادية الـ137 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري. النتيجة كانت اتفاقاً عُقد بين الطرفين على رزمة من 5 نقاط لحل الأزمة السورية. غير أنّ هذا الاتفاق تضمّن غموضاً يخشى كثيرون أن يكون كافياً لإفشال الحلّ، إضافة إلى ما شهدته أجواء الجلسة وحيثياتها وما تلاها من حدّة وخلافات بين الطرفين العربي والروسي. وبعد نحو ساعتين من النقاشات، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره القطري حمد بن جاسم آل ثاني، في مؤتمر صحافي مشترك في القاهرة، أن روسيا والجامعة اتفقتا على خمسة أسس لتسوية الأزمة السورية. وقال لافروف إن المناقشات التي أجراها مع الوزراء العرب انتهت الى اتفاق على النقاط الخمس الآتية: ــ وقف العنف من أي مصدر كان. ـــ إنشاء آلية رقابة محايدة. ـــ رفض التدخل الخارجي. ـــ إتاحة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين بدون إعاقة، والأهم ـــ «الدعم الكامل لجهود الموفد الدولي كوفي أنان إلى سوريا استناداً إلى المرجعيات التي قبلتها الأمم المتحدة والجامعة العربية». وهنا كانت المشكلة، في ظل المعلومات التي تحدثت عن خلاف بين الطرفين بشأن المقصود من عبارة «المرجعيات التي قبلتها الامم المتحدة والجامعة العربية»، أي بكلام آخر، هل المقصود قرارات العرب في تشرين الثاني التي اقتصرت على مطالبة الحكومة بوقف العنف وسحب الجيش من المدن وإرسال مراقبين إلى سوريا، أو تلك التي صدرت عنهم في كانون الثاني الماضي ونصّت بوضوح على ضرورة تسليم الرئيس بشار الأسد السلطة لنائبه ضمن آلية لانتقال السلطة؟ وتفيد المعلومات أنّ لافروف أصرّ على الحديث عن قرارات الجامعة العربية الأولى، بينما تمسّك الوزراء العرب، وخصوصاً القطري حمد بن جاسم بن جبر، والسعودي سعود الفيصل، بالتزام روسيا برحيل الأسد. وبحسب المعلومات نفسها، حين لم يُتّفق على هذه النقطة الأهم في مشروع الاتفاق، كُتبَت البنود بنحو يبقي الالتباس قائماً بصيغة «المرجعيات».
وفي حين تحاشى لافروف الدخول في تفاصيل هذه المرجعيات، فإن الشيخ حمد شدد على أنه يريد «تأكيد المرجعيات المعتمدة لكوفي أنان، وهي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (الصادر) في 16 شباط الماضي (وقف العنف فوراً والتحقيق في الجرائم في سوريا لمعرفة إذا كانت ضد الانسانية لإحالة سوريا على المحكمة الجنائية الدولية...)، وخطة العمل العربية (المعتمدة) بتاريخ 2 تشرين الثاني 2011 (وقف العنف وإرسال مراقبين وصحافيين)، وقرارات الجامعة العربية في 22 كانون الثاني و12 شباط الماضيين (بدء الحكومة السورية حواراً مع المعارضة على أساس تفويض الرئيس إلى نائبه الأول صلاحيات كاملة لتأليف حكومة وحدة وطنية وإنشاء قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا)».
ولاحظ مراقبون ان عبارة «منع التدخل الخارجي» أُدرج للمرة الاولى في قرار صادر عن الجامعة (الاتفاق العربي ــ الروسي)، بعدما كانت هذه العبارة ترد بطريقة إنشائية في بيانات الجامعة، وخصوصاً أن الشيخ حمد كان قد قال في أحد الاجتماعات إن «صدام حسين لم يسقط إلا بتدخل خارجي».
من جهته، لفت الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى أن «النقاط الخمس التي اتُّفق عليها مع روسيا ذات أهمية كبيرة»، معرباً عن أمله بأن «تتخذ الصين موقفاً مشابهاً للموقف الروسي». وكشف أن الجامعة العربية «تحاول الالتفاف على الفيتو الذي أجهض قرارها السابق، وإحالة الموضوع على مجلس الأمن مرة ثانية من دون اعتراض روسيا والصين»، مع تأكيده أن لافروف «سيسافر الى نيويوك للاجتماع بأعضاء مجلس الأمن» لهذا الغرض. وكان لافروف قد استبق الاجتماع مع العرب ببث آمال كبيرة، إذ توقع أن يكون لقاء القاهرة «فرصة مهمة لإجراء تحليل عميق للموقف» والخروج بـ«أفكار يمكن بعد ذلك أن تُنقل إلى المجال الدولي الاوسع».
وكانت الجلسة الافتتاحية للاجتماع العربي ـــ الروسي قد شهدت سجالاً بين لافروف ووزيري خارجية قطر والسعودية، سبقتها أزمة أخرى ترجمها بن جاسم في رفضه حضور لافروف اجتماع اللجنة العربية المكلفة متابعة المسألة السورية، لكن العربي وبعض وزراء الخارجية العرب تمكنوا من احتواء الأزمة، وأقنعوا بن جاسم بالموافقة على حضور لافروف. واستهل لافروف الجلسة بكلمة دافع فيها عن موقف بلاده من الأزمة السورية، وقال «يقول البعض إن لدينا مصالح معينة، ولكننا لم نشن حرباً استعمارية في منطقتكم وحجم علاقتنا التجارية مع الدول المشار إليها أقل من علاقتنا مع دول أخرى، ونحن لا نسعى للاستفادة الاقتصادية» من الموقف تجاه الازمة السورية، مكرراً أن «الاولوية القصوى الآن هي وقف العنف في سوريا أياً كان مصدره». وبمجرد انتهاء الوزير الروسي من كلمته، انتقد بن جاسم بحدة الموقف الروسي. ولفت إلى أن «هناك إبادة ممنهجة من قبل الحكومة السورية في ظل حديثنا الآن عن وقف إطلاق النار». وتابع أنه «بعدما جرى من قتل، لا يمكن أن نقبل فقط بوقف إطلاق النار، ولا نريد أن يُكافأ أحد بهذه الطريقة»، في اشارة إلى النظام السوري. وأضاف أن «من يطلق عليهم النظام عصابات مسلحة هي مجموعات شكلت في الاشهر الثلاثة الاخيرة دفاعاً عن النفس، بعد قتل الشعب السوري بدم بارد، ونحن نعول على الموقف الروسي وتفهّمكم لنا ولمطالب الشعب العربي بإيقاف حمام الدم». كلام مشابه أطلقه الفيصل، متهماً روسيا والصين بـ«منح النظام السوري رخصة للتمادي في الممارسات الوحشية». وخلص إلى أن حضور لافروف الاجتماع العربي «ينبئ عن اهتمام روسيا بالوضع في سوريا، ونرحب به، غير أننا نتمنى لو أن هذا الاهتمام تجري ترجمته، ولا سبيل إلى ذلك إلا بدعم قرارات مجلس الجامعة المتعلقة بمعالجة الوضع في سوريا».
وقد سجل يوم أمس تصريحاً لافتاً للوزير السعودي، حين كرر المطالبة بتسليح الشعب السوري، مرفقاً بموقف مفاده أن الرياض «لا تركز على إسقاط النظام السوري، بقدر ما يهمها بالدرجة الأولى وقف المذابح التي تُرتكب ضده».
وخلال مؤتمر صحافي عقده في الرياض مع نظيره الألماني غيدو فيسترفيله، نفى الفيصل «وجود أي موقف عدائي (سعودي) تجاه النظام في سوريا، لكن أعماله التي تخالف القوانين الدولية والإنسانية هي التي تستدعي بذل كل الجهود لإنقاذ الشعب السوري من هذه الأعمال الوحشية، إضافة إلى أن السعودية لا تركز على إسقاط النظام بقدر ما يهمها بالدرجة الأولى وقف المذابح التي تُرتكب ضد الشعب السوري». ولم يفت الرجل إعادة مهاجمة موسكو التي وصف موقفها وبكين من الأزمة السورية بأنها «غير مبررة أخلاقياً ولا قانونياً».
وبالعودة إلى الجلسة العربية الموسعة التي ترأستها الكويت، فقد كشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ «الأخبار»، أنها استغرقت أقل من ساعة واحدة، لتكون إحدى أقصر الجلسات التي يُناقش فيها الملف السوري، وقال فيها الشيخ حمد إن «ما جرى (في الاتفاق الروسي ــ العربي) لا يلبي الطموحات العربية، لكننا بحاجة إلى حل». أما رئيس الجلسة، وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح خالد الصباح، فقد أعرب عن «بالغ الأسى والأسف على إصرار الحكومة السورية على العمل العسكري».
وصدر عن الاجتماع توصية جديدة تدعو مجلس الامن الدولي إلى «إصدار قرار لوقف العنف في سوريا فوراً استناداً الى المبادرة العربية والقرارات العربية كوحدة متكاملة دون تجزئة»، مع اعتبار «مجزرة بابا عمرو، جريمةً ترقى إلى الجرائم ضد الانسانية». وكان الوزير القطري قد دعا في افتتاح الجلسة العربية إلى الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري، على غرار ما فعله الاتحاد الأوروبي، ودعوة أطياف المعارضة إلى الالتفاف حوله، مكرراً التشديد على ضرورة إرسال قوات عربية وتقديم مساعدات للشعب السوري لحماية نفسه.