مين بيعرف أنا شو؟!
كبرت على أساس أنني لبنانية. تعلمت كل طقوس الشعب اللبناني من الحكي إلى العادات والتقاليد.. حتى أتى اليوم الذي أسر لي أحد رفاقي «ما تنسي إنّو أنت فلسطينية وما خصّك بلبنان»! هنا بدأت القصة. لا أريد أن ألوم أحداً «لأنو ما حدا بيعرف الحق على مين بكل شي. الفلسطينيين يقولون إنني لبنانية واللبنانيين يقولون إني فلسطينية؟ وبعدني لهلق عم دور أنا مين؟!

لم أدرس التاريخ الفلسطيني، بل اللبناني. كتاب تاريخ لبنان رافقني مدى 19 سنة من الدراسة، وكذلك دروس التربية على المواطنية في كتاب التربية الوطنية.
أما اليوم فأعيش الحاضر الفلسطيني، بدأ ذلك منذ مشاركتي في ورشة عمل مع إحدى الجمعيات الفلسطينية، على الرغم من أنّ الكثير من المشاركين تعاملوا معي على أنني لبنانية. لكنني استطعت خلال أعمال الورشة أن أجد لنفسي موقعاً داخل الوسط الفلسطيني. وأثبتّ قدرتي على التعرف إلى كل التفاصيل والتاريخ الفلسطيني الذي أعيش حاضره الآن. لا أنكر أني أعيش حالة من الضياع منذ أكثر من سبع سنوات. ضياع يزداد كلما سئلت «قضيتك شو؟ لبنان أو فلسطين؟». يكون جوابي تلقائياً «القضيتان» فلبنان تاريخي والماضي الذي لا يمكن أن أستغني عنه يوماً وفلسطين الحاضر الذي أعيشه والحقوق التي أدافع عنها! لم تتوقف القصة عند هذا الأمر، بل أدهشت الكثير من زملائي عندما اخترت العمل في مشروع التخرج على مجلة متخصصة في اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وعندما بدأت الإعداد للمشروع وتحديداً لدى اختيار المواضيع، شعرت بالغربة بعض الشيء، وفوجئت بموضوعات قد تكون قديمة لكنها جديدة بالنسبة إليّ، إلا أن ذلك شعور طبيعي لأنني ما زلت أكتشف هذا العالم الجديد وقد يلزمني 19 سنة جديدة. لكن ما يزعجني هو نظرة الطرفين للموضوع سواء الفلسطيني أو اللبناني، ما يدخلني في دوامة جديدة لا أدري كيف يمكنني الخروج منها. لا أريد أن ينتزع أحد لبنانيتي أو فلسطينيتي، فسأعيش الانتماءين وأدافع عنهما، بغض النظر عن النظرات التي لا أظنها بأنها ستنتهي، بل كل ما أريد أن أصل إليه هو أن يعرف الطرفان أنا شو؟!...

كفرحتى ــــــ صفاء عياد

■ ■ ■

من الطبيعي أن تسألي


من الطبيعي أن تسألي أنت شو لأنو حتى العارف هو مين؟ ومن وين؟ إساتو ضايع! ومش عارف شي، فخليني قول شو عم بيصير معي...
بعرف إني فلسطينية لاجئة من لما وعيت. إمي من المخيم و أبوي كمان. بس أنا خلقت وتربيت بعيد عن جو المخيمات يلي هو تجسيد للمجتمع الفلسطيني، وأبداً ما انخرطت فيه إلا لما صار لازم كون بالمدرسة الثانوية يلي موقعها بمخيم البداوي بطرابلس. هون حسيت بضياع وإنو ليعرفوا عن حالي كأنو ما شي.أنا منهن وفيهن، فسألت حالي ليه عم يعاملوني هيك، كأني وحدة غريبة عنهن ونازلة من المريخ، يمكن أكون ما بفكر متلن، بس بقلن بأعلى صوتي بقول يا ناس نحنا فلسطينية وقضيتنا وحدة حتى لو عبرنا عن انتمائنا بطرق مختلفة.
ليش لازم تعتبروني غريبة وما تخلوني أتقرب منكن، خلينا نبني جسور بيناتنا تقوي معرفتنا ببلدنا وقضيتنا تقوي علاقتنا ببعض رغم الشتات الّي نحن فيه. أنا بالنسبة إلي لما فكر بفلسطين بيني وبين حالي بحلم باللحظة رجوعي إليها حتى أركع وأبوس ترابها، بس فعلياً وعلى أرض الواقع بحس إنو في كتير قصص لازم أعرفها عن بلدي حتى ما أحس بالغربة ناحيتها، كتير بكره حس بهاي الغربة وما بدي أنطق بكلمة فلسطين وأنا ما قادرة حس فيها. حابي أوصل فكرة إنو أنا رغم قلة معرفتي الدقيقة بالقضية الفلسطينية وكل الأيام الوطنية وغيره من التفاصيل، بس هيدا ما بيعني إني ما بحب هالبلد أو مثل ما كتير بسمع «هاي فلسطينية ؟!» و علامات الاستغراب على وجوه الناس «من وين لوين و هي ما بتعرف شي عنها». بالعكس أنا حابّي إتعرف أكتر وأحصل على المعرفة وما بنكر إني كتير بأيّد الانخراط بالنسيج اللبناني لأني بعتبر حالي جزء منه مع إنو في كتير أطراف ما بتعتبر الفلسطيني هيك ورغم إني بسمع كثير من النقد من أبناء شعبي على هذا التفكير.
وبالنهاية في كلمة بحب قولها وبالعربي الفصيح كمان: أنا أنتمي إلى المكان الذي أعيش فيه ولا يمكنني أن أكون جاحدة للبلد الذي احتضنني واحتضن عائلتي وجدودي عندما ضاقت بنا السبل ولم يجدوا مكاناً يؤويهم نتيجة سيطرة العدو على بلداننا. رغم تحفظي على حقوقنا المنسية أو التي قد تكون ذهبت مع الريح. وكل ما ذكرته سابقاً لا يعني إني لا أحمل محبة لفلسطين في قلبي وعقلي وأتوق للعودة إليها ويمكنني حالياً أن أكتفي بالعودة إليها معرفياً حتى تحين اللحظة للعودة إليها فعلياً. بحب إلك أنو كلنا بالهوا سوا وحالك متل حالي، إذا إنت عرفت حالك شو؟ الناس رح تتفهم انتماءاتك.

طرابلس ــــــ منى الشامي