يفترض أن توزع بغداد على الدول العربية خلال الأيام القليلة المقبلة، مبادرة عراقية للحل في سوريا لبحثه في خلال القمة العربية المقررة في عاصمة الرشيد في 29 آذار الجاري، وذلك بتنسيق ضمني مع واشنطن. وبحسب المعلومات الواردة من بغداد، يدعو المشروع العراقي، الذي يفترض أن يُطرح كمقترحات ستعرض على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إلى تأليف حكومة وحدة وطنية بالتوازي مع صدور قرار عن مجلس الأمن بمنع التدخل بالشؤون الداخلية السورية، وإيقاف الاقتتال ووقف إطلاق النار فوراً، ودعوة الأطراف الإقليمية والدولية إلى التوقف عن تسليح الجانبين، وذلك قبل الدخول في مفاوضات مباشرة داخل سوريا.
وبحسب المشروع نفسه، يفترض أن يحصل كل ذلك بإشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة. بناءً عليه، تُوجه دعوة إلى الحكومة السورية لإطلاق الحريات العامة والسماح بتأليف الأحزاب، لإتاحة الفرصة لأحزاب المعارضة في ممارسة نشاطها السياسي بصورة علنية وبطريقة آمنة، مع تحديد موعد لإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
ورغم ذلك، تبدو القيادة العراقية شديدة التحفظ من الإدلاء بأي معلومة عن هذه المبادرة لوسائل الإعلام باستثناء أنها تقوم على مبدأين: الحوار الداخلي ووقف العنف. حجتها في ذلك أن «أي تفصيل يمكن أن يرشح عن المبادرة سيؤدي بالدول العربية والأطراف المعنية إلى اتخاذ مواقف مسبقة منها، سلباً أو إيجاباً، وهو ما لا يخدم الغاية المرجوة منها، وهي التوصل إلى توافق عربي على حل سوري»، بحسب ما تفيد أوساط رئيس الحكومة نوري المالكي.
الأوساط نفسها، التي تؤكد ضمناً تفاصيل المبادرة الواردة آنفاً، تصر على التشديد على أن «المبادرة العراقية مرنة وقابلة للتعديل بحسب ما يتوافق عليه المعنيون على طاولة القمة العربية»، مشيرة إلى أن «الثابت فيها خطوات أربع: دفع الطرفين الداخليين، السلطة والمعارضة، إلى وقف العنف. وخلق أجواء للحوار وتأليف لجنة من الطرفين لصياغة دستور جديد، وإجراء استفتاء على هذا الدستور، ومن ثم تأليف حكومة وحدة وطنية. وفي حال تشبُّث السلطة بأنه جرت صياغة دستور جديد واستفتي عليه، عندها قد يكون المخرج إدخال تعديلات على هذا الدستور تُقر في مجلس النواب السوري».
وتشير هذه الأوساط إلى أن فكرة المبادرة انبثقت من حوارات المالكي مع الإدارة الأميركية، ممثلة على وجه الخصوص بنائب وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان. همّ واشنطن كان فهم الأسباب التي دفعت بغداد إلى اتخاذ هذه المواقف المؤيدة للنظام السوري على المستويين الداخلي والإقليمي والعمل على تعديلها بما يتوافق والتوجهات الأميركية. جواب المالكي كان «أننا قلنا لكم منذ البداية أنكم تسيرون في طريق سيؤدي في النهاية إلى تفجير المنطقة. همكم الأساسي حماية إسرائيل، وتتحالفون على المستويين، الإقليمي والداخلي السوري، مع طرف لديه أجندة مذهبية». وأضاف المالكي، بحسب المصادر نفسها: «تحاصرون الشيعية في كل مكان، من إيران إلى لبنان مرورواً بالبحرين والسعودية، لا تعطونهم شيئاً، ولا حتى فتاتاً من مطالبهم. وهو ما تفعلونه مع (الرئيس السوري بشار) الأسد. تستهدفون رأس النظام، وتهددون طوائف بعينها بفقدان كل ما لديها، ما يدفعها إلى الاستشراس في الدفاع عن نفسها»، مشيراً إلى أنه «بعملكم على تقوية طرف يفرض معادلة طائفية، ما عاد بإمكاننا (نحن العراقيين) أن نفعل شيئاً، بل بالعكس، سيستشرس الشيعة وستتفجر المنطقة وأنتم ستكونون الطرف المتضرر».
ورداً على سؤال فيلتمان: «ما العمل؟»، قال المالكي: «الأولوية لوضع حد للحال المتفجرة في سوريا، التي تتهدد المنطقة كلها بحرب طائفية. لندخل في مبادرة تهدئ الوضع وتفتح الباب أمام معالجة للأمور تعيد الاستقرار إلى المنطقة»، موضحاً أن «الهدف الأساسي يجب أن يكون إشراك الأطراف السورية بحوار يحول دون تغلغل السلفيين والتكفيريين واستغلالهم للوضع، بما يحقق للسلطة وللمعارضة الحد الأدنى من مطالبهم». وأعرب المالكي عن استعداد بغداد للمبادرة إلى تبني هذا المسار، وفهم من الجواب الأميركي أن واشنطن اقتنعت بهذا الخيار، مشيرة إلى أن لديه مؤشرات إلى أن الإدارة الأميركية تسوق لهذه الفكرة. وتأتي هذه المبادرة في إطار «مجموعة من الأفكار التي تصلح لأن تكون مبادرة لضمان استقرار المنطقة وحل أزماتها» يفترض أن يطرحها العراق على القمة العربية. وتقول أوساط المالكي إن البند الأساسي بالنسبة إلى العراق هو المتعلق بمكافحة الإرهاب على مستوى المنطقة، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة، وعمودها الفقري تنظيم «القاعدة»، باتت متشابكة على طريقة أن التنفيذ مثلاً في العراق، لكن التمويل قد يكون من السعودية والخزان البشري من المغرب، والتخطيط المعلوماتي من أوروبا وهكذا...
وبات محسوماً أن سوريا لن تدعى إلى المشاركة في القمة، وإن كانت قضيتها «ستكون حاضرة»، إن لم تكن القضية الأساس على طاولة البحث، على ما تفيد مصادر عراقية رفيعة المستوى. كذلك بات محسوماً أن الضيف الأساسي في القمة، هو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومعه الكثير من كبار الشخصيات، بينها رئيس البرلمان العربي علي الدقباسي، ورئيس لجنة هيكلة الجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، فضلاً عن الاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الأفريقي. وتؤكد أوساط المالكي أن أيَّ رئيس غير عربي لن يدعى إلى حضور القمة، في نفي لتسريبات جرى تداولها قبل أسابيع عن احتمال دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
ويبدو المالكي متفائلاً جداً بنجاح القمة العربية، في ظل توقعات المسؤولين العراقيين بحضور ما لا يقل عن 15زعيماً عربياً، هم قادة الكويت والإمارات وسلطنة عمان واليمن وليبيا وتونس ومصر والجزائر والمغرب ولبنان والأردن وموريتانيا وجزر القمر والصومال، علماً بأن الملك محمد السادس والسلطان قابوس لا يشاركان عادة في القمم العربية. وتأكد، بحسب المصادر نفسها، أن ملك السعودية عبد الله لن يشارك، فيما حضور أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لا يزال مشكوكاً فيه.
يشار إلى أن الاجتماعات التمهيدية لقمة بغداد ستبدأ في القاهرة في 21 الجاري على مستوى كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بهدف إعداد الملف الاقتصادي، ويوم 22 على مستوى المندوبين لإعداد الملف السياسي. ويُفترض أن تعقد الاجتماعات التحضيرية على المستوى الوزاري في بغداد، لتكون على مستوى وزراء المال والاقتصاد العرب في 27 الجاري، ويليها اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم 28، على أن يعقد مؤتمر القمة في 29 منه.