الأربعاء الماضي، اتصل بي جارنا يبلغني بأن زوجته مريضة جداً وتحتاج إلى الذهاب إلى المستشفى. خرجت مسرعاً وتوجهت نحو منزله وإذا بزوجته مغمى عليها. حملناها إلى طوارئ مستشفى قريب من صور. عاين الطبيب المرأة، لكنّه قال إنّه لا يستطيع إدخالها قبل عرضها على طبيب وكالة الأونروا. طلبنا منه أن يستقبلها ريثما نجلب تحويلاً من الوكالة. رفض الطبيب بحجة أنّ قانون الأونروا لا يسمح بذلك لأنها لبنانية.
بعد نقاش نقلنا المرأة إلى عيادة الوكالة في مخيم البص لنحصل على التحويل. دخلت وزوجها إلى العيادة حيث صادفنا طبيبة مناوبة رجوناها أن تعاين المريضة في السيارة فحالتها لا تحتمل إنزالها، لكنها رفضت هي الأخرى وحولتنا إلى عيادة الأونروا في شبريحا. قلنا لها إن العيادة تفتح فقط يوم الثلاثاء من كل أسبوع. أجابت بأنّ الدوام في المعشوق فاذهبوا بها إلى هناك ليراها الطبيب ويعطيكم تحويلاً. « دخيلك يا دكتور معنا حالة صعبة وبدها تحويل للمستشفى» ، قلنا للطبيب في المعشوق. «نزلوها اشوفها »، يرد. «يا دكتور مغمى عليها بالسيارة، بس شوفها». «ليش معصب »، يرد. «المرأة عم بتموت»، نقول. بعد اصطدام بيننا، حملناها إلى داخل العيادة. عاين الطبيب وقال « ما فيي أعطيكم تحويلاً لأنها لبنانية، خذوها إلى اي مستشفى في بيروت، هناك بيعلقولها مصل، شوية كريب وإسهال ». تناسى الطبيب قانون الأونروا الذي يسمح للبنانية متزوجة من فلسطيني بأن تعالج بنسبة 40% على حساب وكالة الأونروا و60% على حساب الوزارة. نقلنا مريضتنا إلى مستشفى آخر في صور، أدخلناها إلى الطوارئ. كان ضغطها 6 على 4 وحرارتها تلامس 39 درجة مئوية. رجونا أهل المستشفى أن يدخلوا المرأة العنايه «لأنّها عم بتموت ». ارتبك الأطباء. منهم من قال إنّ رواياها مقفلة ومنهم من قال إن ضغطها منخفض ومنها من كان يحلل وضعها و«ما كنا عم نفهم شي». وأخيراً جاء من يقول إنها تحتاج إلى جهاز تنفس اصطناعي وهو غير موجود في هذا المستشفى وطلب منا أن نأخذها إلى مستشفى آخر. وفي وقت حضر فيه طبيب الأونروا وبدأ يتصل بالمستشفيات المجاورة، ازرقت أطراف المرأة وبدأ رأسها ينتفخ وكذلك جسدها وبدت عليها علامات الموت. وعندما فقدنا الأمل بإدخالها العناية اتصلنا بمستشفى في بيروت، فقالوا إنّ الجهاز متوافر هناك. اتصلنا بإسعاف مجهز بأوكسجين وانطلقنا، وفي منتصف الطريق نفد المصل الخاص بالضغط، فمررنا بمستشفى قرب صيدا حيث زودونا بكيس مصل. استكملنا رحلة العذاب إلى بيروت وعندما وصلنا وجدنا مجموعة من الأطباء بانتظارنا في الطوارئ. كانت دقات قلبها بطيئه جداً وضعيفة، كما قال الطبيب. بعد ذلك بدقائق انتقلت إلى رحمة الله تعالى. طلبوا منا فقط مليوناً ومئتي الف ليرة !!. وبعد توسلات واتصالات دفعنا 625 ألف ليرة لبنانية أجرة ساعة في المستشفى. صحيح أنّ الأعمار بيد الله ونحن نؤمن بذلك، إلّا أننا نؤمن أيضاً بالأسباب. ونسأل: «لماذا لم يدخلوها المستشفى منذ البداية؟ لماذا لم يتعاملو معنا في عيادتي الأونروا في البص والمعشوق بإنسانية ولم يعطونا تحويلاً؟ لماذا لم يدخلوها العناية في المستشفى الثاني؟ ومن هو المسؤول عما جرى مع المرحومة أم حسين البالغة من العمر 34 عاماً ولها أربعة أطفال اكبرهم ذو عشر سنوات؟