الاسم: نسرين كريم. الجنسية: لبنانية من قرية دير سريان. العمر: 34 عاماً. الوضع العائلي: متأهلة من الفلسطيني كمال سليمان وأم لأربعة أطفال. الحالة الاجتماعية: توفيت على الطرقات متنقلة بين المستشفيات، وذلك بسبب «تقصير الأونروا»، كما يتهم زوجها سليمان الوكالة الأممية. أمّ حسين ليست الحالة الأولى، وبالطبع لن تكون الأخيرة التي تموت بعد مماطلة «طبيب الأونروا في إعطائها تحويلاً للدخول الى المستشفى»، يقول زوجها. قبل أمّ حسين كان هناك مريم أكرم محمد. مريم توفيت عن عمر 10 سنوات. الطفلة ماتت على باب أحد مستشفيات صيدا، فأهلها حينها لم يستطيعوا تأمين مبلغ 500 دولار لإدخالها الى ذلك المستشفى، فتوفيت الطفلة بين يدي والدها، إضافةً الى أمّ حسين ومريم هناك قصة أخرى يعرفها أبناء مخيم عين الحلوة جيداً، وهي قصة الطفل محمد نبيه طه، الذي مات ايضاً على باب أحد مستشفيات صيدا لأنه لم يُمنح تحويلاً لمعالجته.
أمّ حسين ربما كانت الأكثر «حظاً» من بين هؤلاء. فهي بعدما تعرضت لنكسة صحية استطاع أهلها نقلها الى أحد مستشفيات صور على أمل علاجها. هناك رفض المستشفى استقبالها على حساب الوزارة، لأن ميزانية الوزارة «خلصت» كما يقول سليمان. إذن لتدخل على حساب الأونروا، «جيبوا تحويل من الأونروا وندخلها»، ينقل الرجل عما قيل له على باب الطوارئ.
هنا تبدأ مشكلة أخرى وهي استصدار تحويل من إحدى عيادات الأونروا. والتحويل لمن يريد أن يعرف كيف حصل على اسمه هو عبارة عن ورقة يوقّعها طبيب يداوم في عيادات الأونروا، يعلن فيه تكفل الوكالة بتغطية جزء من تكاليف العلاج، عندها يجري «تحويل» المريض من عيادة الأونروا الى أيّ مستشفى متعاقد مع الوكالة. ويذكر أن الوكالة الأممية تغطي في أحسن الأحوال ما يقارب الـ30% من تكاليف العلاج.
هكذا، توجهت العائلة الى عيادة الأونروا في منطقة شبريحا، حيث تسكن، لكن «العيادة كانت مقفلة»، كما يروي زوجها. فنقلت الى عيادة البص، اعتقد الأهل أن المشكلة قد حلّت، وأن الطبيب سيعطيهم «التحويل» ليدخلوها الى أيّ مستشفى متعاقد مع الأونروا، لكن لسوء الحظ الطبيب كان يداوم في عيادة المعشوق، إذن الى المعشوق. هناك تذرّع طبيب الوكالة بأنه لا يمكنه إعطاءها «تحويلاً» لأنها لبنانية. يذكر أنه يمكن المرأة اللبنانية المتزوجة بفلسطيني أن تستفيد بنسبة 40% من علاج الأونروا، والـ60% الباقية من كلفة العلاج تكون على حساب وزارة الصحة، لكن «طبيب الوكالة لم يكن يعرف بوجود مثل هذا القانون»، يقول أحد المطلعين على التحقيق الذي تجريه الأونروا لمعرفة سبب التقصير.
هنا تبدأ رحلة عذاب أخرى، فبعد مماطلة الأطباء بإعطائها التحويل، بدأت رحلة إيجاد مستشفى يستقبل المريضة على حساب الوزارة.
نقلت العائلة بحثها من صور الى مستشفيات صيدا، كل هذا العناء والمريضة معهم في سيارة تنتقل من مستشفى الى آخر. تسوء حالة المريضة اكثر فتتوجه العائلة الى بيروت، حيث أُدخلت الى أحد مستشفياتها، وتوفيت فيه. الأونروا بعد «غضب الأهالي» عليها، وتكسير سياراتها وعياداتها في منطقة شبريحا، ألّفت لجنة تحقيق طبية. والتحقيق سيعلنه اليوم أو غداً كما يقول أحد المشاركين في اللجنة. وسيكشف التحقيق مكامن الخلل في ما جرى.
أما الجمعيات الإنسانية الفلسطينية، التي تتابع التحقيق عن كثب، فهي لا تلوم أطباء الأونروا لأن المشكلة «في الرأس»، كما يذكر مسؤول في إحدى تلك الجمعيات، الذي رفض الكشف عن اسمه الى حين انتهاء التحقيق التي تجريه الأونروا. فالأطباء الذين «يوقّعون التحويلات، وبسبب قلّة عددهم، لا يداومون يومياً في عيادات الوكالة، بل يزورونها مرة واحدة في الأسبوع». يسأل الرجل ساخراً من الواقع المرير «هل على المريض أن يؤقت مرضه مع موعد زيارة طبيب الأونروا لعيادته، ليسعفه الحظ بالحصول على تحويل».
وكانت لجنة التحقيق قد قابلت أطباء الأونروا، الذين رفضوا «النزول لرؤية المريضة عندما كانت في السيارة»، يقول محمد الشولي، منسق العلاقات العامة والإعلام في مؤسسة شاهد. يضيف الشولي إن الوكالة «قد تجد ثغرة وحيدة، هي أن المريضة لبنانية، وأنه كان يمكنهم نقلها على حساب وزارة الصحة».
بالنسبة إلى آخرين يقولون إن هذا «التحقيق جاء ليمتص غضب الأهل، والخلل في الرأس، لذلك يجب أن تعالج من فوق، ونحن مصرّون على متابعة التحقيق حتى الوصول الى الحقيقة»، يقول ياسر عزام، مسؤول مكتب اللاجئين في حماس. مشيراً إلى أن المشكلة هي في «منهجية التعاطي التي تستخدمها الأونروا مع الشعب الفلسطيني،». يسأل «ما الذي منع أطباء الأونروا من النزول من عياداتهم ومعاينة المريضة».
يضيف عزام إن الإشكالية الأخرى هي عدم وجود «مخطط دائم وواضح بين المستشفيات والأونروا لإغاثة أي حالة طارئة دون الرجوع الى بيروقراطية الأونروا». يسأل ساخراً «ماذا لو جاءت هذه الحالة الطارئة ليلاً، هل عليه انتظار الطبيب حتى الصباح». هكذا، بين إجراءات الأونروا ومماطلتها وبيروقراطية المستشفيات تكون «العترة عَ اللي بيروح».



يقول أحد مسؤولي الأونروا إن «أي لبنانية متزوجة بفلسطيني تُعالَج على حساب الوكالة إن لم تُغطِّ وزارة الصحة اللبنانية العلاج». لكن ما جرى مع نسرين كريم «هو خطأ ارتكبه أحدهم، لا نعلم أين سيُضاء عليه». ويضيف أن «المدير العام للأونروا يتابع الموضوع بنفسه».