اتهامات بالعمالة وبتقسيم البلاد وجّهتها الحكومة المصرية إلى 43 شخصاً من العاملين في المنظمات الحقوقية، بينهم 16 أميركياً، تلاها قرار بمنع المتهمين في القضية من السفر، فضلاً عن إلقاء القبض على عدد من المتهمين بل ومحاكمتهم أمام محكمة الجنايات بحجة تلقيهم أموالاً من الخارج.
خطوة لم تمر من دون ردّ فعل أميركي. فكان وعيد وتهديد بقطع المعونة الأميركية المخصصة لمصر في حال استمرار اعتقال رعاياها، ثم وعود أميركية بحل الأزمة، سبقت بساعات قرار الحكومة المصرية السماح للمتهمين بالسفر، بدعوى أن تهمتهم لا تتجاوز حدود الجنحة وعقوبتها لن تزيد على «50 دولاراً». هذه هي باختصار تفاصيل قضية التمويل الأجنبي التي شغلت الرأي العام المصري والأوساط السياسية الأميركية في الفترة الأخيرة.
إلّا أن السماح للأميركين بالسفر، وهو ما حصل أمس، لم ينه حال الجدل الذي صاحب القضية على مدار الشهرين الماضيين. فالأجواء المصاحبة للقرار الذي صدر أول من أمس تشير إلى وجود صفقة حصلت بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإدارة الأميركية، أدّت إلى اتفاقهما على إنهاء القضية سياسياً وليس قضائياً. فبعد يوم واحد من قرار محكمة الجنايات التي تنظر في قضية التمويل الأجنبي بتأجيلها إلى 26 نيسان المقبل، فوجئ الشارع المصري بقرار رئيس المحكمة المستشار محمود شكري «التنحّي عن النظر في القضية لاستشعاره الحرج»، قبل أن تعلن بعدها بساعات قليلة وسائل إعلام مصرية وغربية أن هناك قراراً آخر برفع حظر السفر عن المتهمين. أما المسؤولون المصريون فالتزموا الصمت، إلى أن خرج المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس محكمة الاستئناف، ليؤكد أن «الأميركيين الممنوعين من السفر تقدموا إلى دائرة التظلمات لاستئناف قرار منعهم من السفر على ذمة قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية والمجتمع المدني، وعملت المحكمة على فحص طلباتهم، وتبيّن أنهم محالون على ذمة جنحة لا جناية، وعقوبتها لا تتعدى غرامة 300 جنيه، فارتأت المحكمة أن تخلي سبيلهم وترفع حظر منعهم من السفر بكفالة مالية، وقدم المتهمون شيكاً قابلاً للدفع بمبلغ 32 مليون جنيه». وبالتزامن، قالت مصادر في مطار القاهرة إن طائرة عسكرية أميركية هبطت في المطار لنقل المتهمين إلى قبرص، ومنها إلى الولايات المتحدة. ورغم التبريرات القضائية، ظلّ صاحب قرار رفع الحظر مجهولاً، حسب النائب عصام سلطان، الذي تقدّم ببلاغ إلى النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، لفتح تحقيق عاجل للوصول إلى صاحب قرار رفع حظر السفر.
ولفت في حديث إلى «الأخبار» إلى أن أوراق القضية برمّتها كانت بين يدي القاضي محمود شكري الذي يحكم فيها، وهو «صاحب الحق الوحيد في رفع أسماء المتهمين من قوائم المنع من السفر، أو الإبقاء عليها، وبعد تنحّيه تبقى القضية معلقة كما هي، من دون أي تدخل من أحد إلى حين تولّي قاضٍ آخر الفصل فيها، وهو ما لم يحدث».
أما مسألة تنحّي القاضي الذي ينظر في القضية فظلت معلقة وغير محسومة. ففي الوقت الذي أكدت فيه مصادر قضائية أنها ترجع إلى علاقة عمل تربط ابن القاضي بالسفارة الأميركية عبر مكتب استشارات قانونية، أكد القاضي المتنحّي أن قراره ليس شخصياً، بل هو قرار هيئة المحكمة مجتمعة، بعدما تلقى اتصالاً من رئيس محكمة الاستئناف يطالبه فيه بالسماح للمتهمين الأميركيين بالسفر، مضيفاً أنه سيتقدم بأسباب تنحّيه في مذكرة رسمية إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء. أما المخرج الذي أوجد للقضية، أول من أمس، فيؤكد أن المجلس العسكري أعطى الضوء الأخضر للحكومة لغلق قضية التمويل الأجنبي بعد نجاح مباحثاته مع الجانب الأميركي، حسب ما أكده حقوقيون، لافتين إلى أن قضية التمويل الأجنبي خدعة صنعها النظام المصري كورقة ضغط على الإدارة الأميركية، بعد ربط الكونغرس موافقته على استمرار دفع المعونة لمصر بإجراء انتخابات رئاسية حرة تأتي برئيس مدني.