الرباط | يبدو أن المعركة بين النظام والمعارضة الإسلامية الراديكالية في المغرب قد انتقلت إلى جبهات ومسارح غير متوقعة، بعدما تحوّلت مسيرة مؤيدة للشعب السوري، شهدتها مدينة الدار البيضاء، أول من أمس، إلى ساحة لعرض العضلات بين أنصار «جماعة العدل والإحسان» الإسلامية المحظورة، وحشد من الجمعيات المقربة من النظام والمموّلة من قبل الدولة، حيث حاول كل طرف إظهار قوته العددية وقدرته على حشد الجماهير، فيما لوحظ غياب «حركة 20 فبراير»، التي تطالب بالإصلاحات السياسية في البلاد.وكانت «الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة»، التابعة لـ«العدل والإحسان» قد دعت إلى التظاهر «تضامناً مع الشعب السوري الجريح، الذي يواجه أحد أشرس الأنظمة المستبدة في تاريخ الأمة». غير أن السلطات المغربية جندت وسائل الإعلام الرسمية، طوال يومين كاملين، لدعوة المغاربة للخروج إلى الشارع في تظاهرات مضادة، تدعو هي الأخرى إلى التضامن مع الشعب السوري، بالتزامن مع التوقيت الذي أعلنته «العدل والإحسان». وشارك في التظاهر أيضاً بعض الوجوه المحسوبة على شبيبة حزب «الاتحاد الاشتراكي» المنتمي إلى المعارضة البرلمانية.
وشهدت المسيرة حضوراً قوياً لعدد من جمعيات المجتمع المدني المدعومة من الدولة، والتي جندت عدداً من الشاحنات والسيارات لتسهيل تنقل ومشاركة عدد من «البلطجية»، قالت الجماعة إنهم سُخِّروا لنسف التحرك الاحتجاجي، حيث لوحظ رفع شعارات لا علاقة لها بموضوع المسيرة حملت تأييداً للنظام الملكي في المغرب وهتفت بحياة الملك محمد السادس.
وشهدت التظاهرة رفع شعارات مناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، وأخرى تدعو إلى إيقاف العنف ضد الشعب السوري أو تطالب بطرد السفير السوري من المغرب.
من جهتهم، قلّل قياديو «العدل والإحسان» من أهمية المضايقات التي تعرضوا لها، ورأوا أن الأهم هو نجاح المسيرة. وقال القيادي في الجماعة، محمد الحمداوي، إن هذه المسيرة «تعبير عن تضامن الشعب المغربي مع الشعب السوري الجريح لتشجيعه على عدم التراجع، ومواصلة مسيرته من أجل التحرر واختيار من يحكمه».
هكذا انتقل الصراع بين النظام المغربي وجماعة العدل والإحسان، التي توصف بأنها الحركة الإسلامية الأكثر تطرفاً وراديكالية في معارضة النظام، إلى حلبة أخرى، بعدما كانت الجماعة قد حاولت استغلال مسيرات «حركة 20 فبراير» للغرض ذاته.
وقد وجدت في موضع التضامن مع الشعب السوري وسيلة جديدة لعرض عضلاتها، وشرعت الأسبوع الماضي في تنظيم تظاهرات مؤيدة لسوريا في عدد من المدن والقرى المغربية. ورأى بعض المراقبين أن هذا التحرك المفاجئ من قبل الجماعة يندرج في محاولات دفع التهم الأمنية الموجهة إليها بتلقي تمويلات من إيران، بينما يرى آخرون أن الهدف من هذه التظاهرات اختبار قوتها العددية ومدى قدرتها على الاستقطاب السياسي، وخاصة بعد إخراجها من حراك «20 فبراير».
في هذه الأثناء، قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المغربية، عبد الله الترابي، في حديث إلى «الأخبار» إن «خروج العدل والإحسان في تظاهرات من أجل سوريا يحتمل قراءات متعددة. أولاً، هذه رسالة إلى النظام، على غرار مختلف التظاهرات والمسيرات التي تنظمها أو تشارك فيها الجماعة. ومفاد هذه الرسالة أن «العدل والإحسان» لا تزال رقماً أساسياً لا يمكن القفز عنه في المعادلة السياسية المغربية. وهناك رسالة أخرى تريد الجماعة توجيهها إلى حلفائها السابقين في «حركة 20 فبراير»، لتثبت لهم أن خروجها من مسيرات هذا الحراك لا يعني رحيلها أو غيابها نهائياً عن شارع الاحتجاجات».