دمشق | اختار الرئيس السوري، بشار الأسد، مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون للإدلاء بصوته في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للبلاد. وبث التلفزيون السوري لقطات مصورة تبيّن دخول الرئيس وزوجته أسماء الى مركز للاقتراع في ساحة الأمويين، في وسط العاصمة، وهما يحييان الجموع. وقال الأسد، عقب الإدلاء بصوته، «إن الهجمة علينا إعلامية، الإعلام مهم لكنه لا يتفوق على الواقع». وأضاف «قد يكونون أقوى في الفضاء، لكننا على الأرض أقوى (...) ومع ذلك فنحن سنربح الأرض والفضاء».

تفاؤل الرئيس الأسد شاركته فيه غالبية وازنة من الناخبين السوريين الذين صوّتوا على الدستور الجديد الذي يفترض أن يحل محل دستور 1973 في إطار الإصلاحات التي وعدت بها السلطات. وبدأ المواطنون ممن يحق لهم الاستفتاء بالتوافد إلى مراكز الاستفتاء البالغ عددها 14185 مركزاً والتي تم افتتاحها في مختلف المحافظات والمراكز الحدودية والمطارات والبادية للاستفتاء، حيث وضعت لوحات إرشادية في كل مركز ليتمكن المواطن من معرفة الخطوات التي يقوم بها للاستفتاء ضمن الغرف السرية التي خصصت لهذه الغاية.
وأكد وزير الداخلية اللواء محمد الشعار أن عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد تسير سيراً طبيعياً في معظم المحافظات وأن المراكز تشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين، باستثناء بعض المناطق. لكن في شوارع الشام، ثمة من يطرح سؤالاً مقلقاً ويجيب عنه. «لماذا أنا غير متفائل بالاستفتاء على الدستور؟ انتظر حتى الغد لتعرف السبب، أو ربما إلى بعد الغد. النظام سيقول إن النسبة جاءت لمصلحته، والمعارضة ستكذب ذلك. المغرضون سيكذبون ما سوف يعلن، حتى لو كان حقيقياً هذه المرة. باختصار، المشكلة في الثقة. ما عاد هناك من ثقة، فضلاً عن وجود تدخل أجنبي مستمر. أنا متشائم».
ربما تلخص هذه الكلمات، التي قالها صاحب دكان في وسط الشام، صبيحة أمس، ما تشعر به تلك الشريحة «الواقعية» في سوريا. فعلاً، ثمة شريحة من الناس ترفض أن تحسب على أي جهة بعينها. إذاً، هكذا قرأ الرجل الخمسيني ما ستحمله الأيام المقبلة من أنباء. أصرّ على تشاؤمه. وحدها الأيام ستثبت إن كان تشاؤم «الدكنجي» في محله، أم أن سوريا ستكون بخير فعلاً. (عبارة «سوريا بخير» منتشرة بكثافة في الشام).
وأعلن رئيس الحكومة السورية، عادل سفر، أن الاستفتاء يشكل نقلة نوعية في حياة البلاد. وقال للصحافين، لدى الإدلاء بصوته في مركز الاستفتاء في مبنى رئاسة الوزراء في حي كفرسوسة بدمشق، «هذا الدستور نقلة نوعية في حياة سوريا، وهو تحدّ كبير أمام الأحزاب السياسية المؤسسة حديثاً في سوريا للممارسة الديموقراطية بشكلها الحقيقي».
بدوره، أعلن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في تصريح للصحافيين، «هذا يوم تاريخي في حياة الشعب السوري الذي يراهن على صموده وتماسكه، فاستحق هذا الدستور الذي ينقل سوريا من خلاله الى مرحلة التعددية السياسية وإلى مرحلة ديموقراطية». وحول انتقادات المعارضة السورية لمشروع الدستور، قال «لا أريد أن أعلق على مواقف المعارضة. هي ليست على صلة بمصالح الشعب السوري، وهذا الإقبال من قبل المواطنين مؤشر على وعي تام بمصالحه وأهدافه».
ودعت المعارضة السورية، التي تطالب برحيل الرئيس بشار الأسد، الى مقاطعة الاستفتاء. على صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011» على موقع «فايسبوك» الإلكتروني، وتحت شعار «مقاطعة الاستفتاء»، كتب الأحد «نظام بلا شرعية، دستور بلا شرعية».
اللافت أن السوريين، هذه الأيام تحديداً، يتحدثون مع «الغرباء» في السياسة بطلاقة، من دون خوف أو مداراة. في هذه الأيام، يشعر زائر الشام، عن قرب، بأن ثمّة مبالغة في الصورة النمطية التي كانت شائعة عن المواطن السوري، التي تصوره إنساناً مسكوناً برعب «القبضة الحديدية».
واختارت السلطة أن يكون الاستفتاء يوم الأحد، وهو يوم عمل طبيعي هنا في العادة، ما نظر إليه بعض المشاركين على أنه دليل «ثقة الرئيس بشعبه». أحد المستفتين في حي برزة، رأى أن الرئيس كان بإمكانه إعلان هذا اليوم عطلة رسمية، لكنه «ترك الأمور على طبيعتها. حتى المدارس لم يطلب منها التعطيل». طبعاً، في ظل دعوة المعارضة السورية إلى مقاطعة الاستفتاء، يصبح سهلاً معرفة أن كل سوري يدخل إلى مركز استفتاء هو من المؤيدين. ورقة الاستفتاء، التي توضع بعد وضع الإشارة عليها في الصناديق، تحمل خيارين: «موافق» باللون الأخضر و«غير موافق» باللون الرمادي.
عند الساعة التاسعة صباحاً، احتشد عدد من الإعلاميين أمام وزارة الإعلام في شارع المزّة. إعلاميون عرب وأجانب. تكفلت الوزارة بنقلهم إلى بعض مراكز الاستفتاء، تاركة لهم حرية التحرك داخلها. جولة الوزارة للإعلاميين اقتصرت على مراكز محددة، لأنه «لا يمكن المرور عليها جميعها». لم يقنع هذا التبرير بعض الإعلامين. داخل مركز زكي الأرسوزي، وهو بالأصل مدرسة في حي ركن الدين، تبرز صورة الرئيس السوري بشار الأسد إلى جانب صورة والده. افتتح المركز أبوابه، على غرار كل المراكز، عند الساعة 7 صباحاً، على أن تغلق عند السابعة مساءً، إلا «في حالة كان هناك ضرورة لتمديد الوقت بحسب الإقبال»، وهو ما تم فعلاً، إذ تقرر تمديد التصويت إلى العاشرة ليلاً بتوقيت دمشق.
عند الساعة العاشرة صباحاً، يوضح مسؤول المركز أن عدد المستفتين بلغ 50 شخصاً، وذلك من أصل 500 متوقعين. الصناديق، ذات اللون الأبيض الشفاف، توحي بأن ما يقوله المسؤول صحيح. تقول إحد الموظفات في المركز، من خلف صندوقها، إن الناس في هذا الحي «يحبون النوم، فهذا الحي يعدّ راقياً نوعاً ما، وبالتالي تفترض أن الإقبال سوف يتزايد مع مرور الوقت».
على بعد ربع ساعة من مركز الأرسوزي، يدخل الوفد الإعلامي إلى مركز «الشهيد عبد الرؤوف سعيد» في حي مساكن برزة. رئيس المركز هنا يحب صوت فيروز. يرفض أن يخفض صوت الراديو حتى في عز الإقبال. يقول إن صندوقه، حتى الساعة العاشرة والنصف صباحاً، قد ضم 170 ورقة استفتاء، من أصل نحو ألف بحسب التوقعات.
يصعب إيجاد معارض للنظام في الشام. لا مظاهر بارزة للمعارضة، بل إن المؤيدين يحتلون المشهد، وقد شهدت ساحة السبع بحرات وسط العاصمة مسيرة حاشدة ضمت مئات المشاركين الذين تجمعوا للتعبير عن ولائهم للرئيس السوري وتأييدهم لمشروع الدستور الجديد.
آخر النهار كان رجل سبعيني جالساً في مقهى فندق. يحمل جريدة لبنانية، ويقلب أوراقها بلهفة. هذا الكهل ليس متشائماً، بل هو ضد النظام صراحة. يريد للرئيس السوري أن يرحل، لأن «لا دستور جديداً ولا سواه سوف يغيّر شيئاً في الأزمة». يتحدث عن مرّات عدّة زار فيها السجن في بلده. يرفض الخوض في طبيعة ميوله العقائدية، ولكن ما يجاهر به أنه لم يذهب إلى الاستفتاء. اللافت أن السبعيني لا يحب دول الخليج، ويعرف أن للغرب مآرب خاصة من معاداته للرئيس الأسد، وهو ضد المعارضة المسلحة ... لكنه أيضاً ضد النظام. بدا أنه ضد كل شيء. هذا أقصى ما يمكن العثور عليه في الشام، أما في بقية مناطق سوريا، فأمر آخر وحديث آخر.