دمشق | لعل شهر شباط هو الأكثر ازدحاماً بالمؤتمرات والاجتماعات التي تعددت أمكنتها والهدف واحد: البحث في المسألة السورية. فبعد مجلس الأمن والجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة، تحطّ الأزمة السورية اليوم رحالها في تونس. وتستضيف بلاد ثورة الكرامة مؤتمر أصدقاء سوريا الذي يجمع عشرات الدول الإقليمية والغربية المهتمة بالشأن السوري، وما أفرزه الحراك الثوري في المحافظات، في ظل وصوله إلى الحد الفاصل بين المقاومة السلمية والعسكرية، وحمى التجاذبات الغربية الروسية من جهة أخرى.
وعلى الرغم من تضارب الأنباء عن دعوة المعارضة السورية، فقد بات من حكم المؤكد مشاركة معظم أطيافها، إذ إضافة إلى المجلس الوطني الموجود حالياً في تونس، أوفدت هيئة التنسيق المحليّة اثنين من قيادييها إلى العاصمة التونسية، وقد وصل أيضاً رئيس «تيار بناء الدولة»، لؤي حسين، فيما من المقرر أن يحضر المعارض ميشيل كيلو بصفته مستقلاً.
إلاّ أن آراء معارضي الداخل وناشطي الثورة في المدن السورية تباينت حول المؤتمر. ويرى المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي، المحامي حسن عبد العظيم، في حديث إلى «الأخبار»، أن الاجتماع هو لدول مهتمة بالأزمة وأصدقاء لسوريا وللشعب السوري، وهو ليس للمعارضة السورية التي طالبتها الجامعة العربية بالتوحد. وبعدما لفت إلى أن وفداً من الهيئة توجه إلى تونس، وفي مقدمة المشاركين فيه هيثم مناع وعبد العزيز خير، قال عبد العظيم «فهمنا من وفدنا أن الدعوة وجهت إلى قوى المعارضة شفهياً، والمطلوب اليوم توحيد الرؤى والمطالب والجهود، وهو ما من شأنه أن يعزز قوة الثورة السورية وليس الاعتراف بإحدى القوى دون غيرها». وشدد عبد العظيم على أن الاعتراف بأحد الأطراف كممثل وحيد «سيشجعه على احتكار السلطة كما يفعل النظام، ونحن لا نريد إنتاج نظام جديد يحتكر السلطة ولا يعترف بالآخر، ولا نريد تغيير أشخاص بأشخاص»، مشيراً إلى أنه «لا بد من صيغة مشتركة كمؤتمر وطني تخرج منه قيادة توحد الجهود وتتعامل معه جامعة الدول العربية والقوى الدولية».
من جهته، يرى المعارض البارز حسين العودات أن المؤتمر يأتي كخطوة تالية للتحرك العربي ثم الدولي في مجلس الأمن، والذي أجهضه الفيتو الروسي ـــــ الصيني، ويشير الى أن المؤتمر «يهدف بالدرجة الأولى إلى توفير غطاء أو بديل للغطاء الدولي من الناحية الأخلاقية على الأقل للتدخل في سوريا».
ويحدد العودات آلية هذا التدخل عبر «منظمات إنسانية ودولية وحتى أحلاف دولية ودول عظمى عبر حشد الدعم السياسي والاقتصادي وحتى العسكري. فكل الخيارات باتت واردة اليوم في ظل الصد الروسي الصيني من جهة، والحشد الغربي العربي من جهة أخرى». ويرى أنه «مما لا شك فيه أن ذهاب قوى المعارضة إلى المؤتمر بمختلف أطيافها سيعطي زخماً إضافياً وتمثيلاً أوسع لقوى الثورة السورية»، لكنه يلفت إلى أن ذهاب المعارضة إلى المؤتمر لا يعني بالضرورة توحدها، وهو أمر مطلوب وبإلحاح قبل المؤتمر وبعده، ومطلوب من الداخل قبل الخارج.
وإذا كان معظم المعارضين السوريين في الداخل يبدون تفاؤلاً حذراً من المؤتمر، فإن المعارضين الشباب الذين أفرزهم الحراك الثوري في البلاد يسيرون باتجاه آخر. هكذا يرى الناشط المعارض، ضياء الدين دغمش، أن مؤتمر تونس هو خطوة متقدمة بالوقوف أمام تطلعات الشعب السوري، لافتاً إلى أن هذا الأمر يعطي الشارع زخماً ومعنويات، قبل أن يضيف «لكنّ هناك تخوفاً كبيراً من أن الصراع الآن بات على سوريا لا من أجل سوريا، وهذه مصيبة كبرى تعني ضياع البلاد». ووفقاً لدغمش، فإن «الأصلح للبلاد أن يتم بذل جهد دولي لتطمين روسيا وسحبها للمعسكر المناهض للنظام»، لافتاً إلى أنه إذا «لم يحدث اختراق ما، تكون عرابته المعارضة السورية السياسية بعد تغير استراتيجيتها على نحو جذري، فنحن ذاهبون قطعاً إلى معركة كسر للعظام لا بين النظام وقوى الثورة، بقدر ما هي صراع الغرب والشرق».
من جهته، يرى المعارض الشاب، بشر عبود، أن مؤتمر تونس يمثل الأمل الأخير للثوار لإيجاد الممثل السياسي الشرعي الذي يتبنى مطالبهم الحقيقية ويعمل على تلبيتها فعلاً، بعيداً عن الأقوال والبيانات، مشيراً إلى «سلوك المجلس الوطني الذي لم يأت بأي نتيجة منذ تأسيسه». ويضيف عبود «إن كل جبهة من المعارضة ستشارك في المؤتمر لها قاعدة شعبية تؤيدها، رغم اختلاف سعة هذه القاعدة بين جهة وأخرى، مع العلم بأن المجلس الوطني السوري يملك القاعدة الشعبية الأكبر، لكنه أخيراً بدأ يفقدها بسبب عدم استطاعته تأمين مطالب الشعب». في المقابل، يرى عبود أن هيئة التنسيق «لها قاعدة شعبية قليلة نسبياً لابتعادها عن تبني مطالب الثوار، وكثيرون يرون أنها مخترقة من النظام وليس لها استقلالية في الرأي». ويختم بقوله «إن المطلوب هو إدانة للنظام تكون مرادفة لقرار مجلس الأمن المعطل من روسيا والصين، وقد يكون هناك حديث عن فتح ممرات إنسانية لمساعدة المناطق المنكوبة». ويضيف «ومن الوارد الاعتراف بالمعارضة كممثل شرعي للشعب السوري في حال توحدها ضمن هيئة واحدة، وكذلك سحب الشرعية من النظام ودعم الجيش الحر، فالثوار باتوا على يقين من أن التحرير قادم عن طريق الجيش الحر».
من جهتها، ترى المعارضة غيداء العودات أن مؤتمر تونس ما هو إلا خطوة ستستثمر في تشريع التدخل العسكري الخارجي الانفرادي أو الجماعي، لأنه سيقرّ بأن سوريا تحتاج إلى ذلك التدخل وستنظر كل دولة الى رؤية المؤتمر ونتائجه من زاويتها وتعتبره تشريعاً لما تراه. وتضيف «لم يعد مهماً حضور روسيا والصين، لو أن باقي الدول قررت استثمار المؤتمر بما يحلو لها فلن يجدي عندها روسيا والصين». كذلك تلفت إلى أن قوى المعارضة المشاركة في المؤتمر «لا تمثل كل الشارع السوري، والذي للآن أساساً لا يوجد ممثل حقيقي له، فالشارع سيعطي التمثيل لمن سيستقدم العسكر له، ظاناً أنها مجرد فترة زمنية وبعدها سيكون الخلاص».