صنعاء، تعز، عدن | لم يمنع المناخ البارد الذي عاد فجأة إلى العاصمة صنعاء الناس من الخروج إلى صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر على غير عادتهم في مثل هذه الاستحقاقات الوطنية، التي كانوا في حالة ذهابهم إليها يفعلون ذلك في وقت متأخر من اليوم. الكتل البشرية، التي ظهرت مصطفّة أمام اللجان الانتخابية، أظهرت ذلك، وكأنها تقول برغبتها الكاملة في طي صفحة الرئيس علي عبد الله والبدء بكتابة صفحة جديدة ولو كانت على أرضية رسمتها مبادرة خليجية عملت على عدم ذهاب ثورة الشباب اليمنية إلى نهايتها.
أمّا في ساحة التغيير فكان المشهد مختلفاً تماماً حيث ظهر جيداً تلاشي دعوات المقاطعة التي أطلقتها بعض التكتلات الشبابية الثورية، ومنها التكتلات الشبابية التابعة لجماعة الحوثي التي كانت قد قامت بتظاهرة حاشدة قبل يوم واحد من الاقتراع خرجت من ساحة التغيير الى شوارع صنعاء الرئيسية مطالبة بمقاطعة الانتخابات، التي وصفتها بـ«مؤامرة سعودية أميركية على الثورة». لكن صباح أمس، اكتفت تلك التكتلات بتوزيع منشورات تنادي بالمقاطعة دون أن تلقى أي تفاعل من قبل الشباب الذين تدافعوا باكراً إلى المراكز الانتخابية المحيطة بساحتهم، فيما لم تُسجل أي حالة عنف أو تصادم بين الشباب المقاطعين والرافضين.
وكان لافتاً استقبال المواطنين لعدد من المسؤولين السابقين في حكومة علي عبد الله صالح، وهم يتوجهون إلى مراكز الاقتراع، بصيحات استهجان وشعارات غاضبة تحملهم مسؤولية سقوط شهداء الثورة اليمنية، ما أدى إلى تراجعهم عن الدخول إلى تلك المراكز، وفي مقدمتهم وزير الداخلية السابق مطهر رشاد المصري. أما تعز، التي كان لها الدور البارز في إشعال الثورة الشبابية، فبدت أمس أنها صاحبة الثقل الأكبر في رصيد القائلين بـ«نعم» لعبد ربه منصور رئيساً جديداً لليمن. وخلافاً لما كان متوقع بأن تعز ستكون الاكثر مقاطعة للانتخابات الرئاسية المبكرة، سجلت المدينة بمختلف دوائرها الحضور الاكبر في طوابير الاقتراع لانتخابات الرئيس التوافقي دون تسجيل حوادث أمنية أو مصادمات بين المعارضين لاجراء الانتخابات والمؤيدين لها. وأكد شهود عيان أن بطاقات الاقتراع في عدد من مراكز المدينة نفذت.
ورأى الصحافي، عبد العالم بجاش، في حديث مع «الأخبار»، أن الاقبال الحاشد لانتخاب الرئيس التوافقي في مدينة تعز بالذات، يؤكد أن هذه المدينة تمثل «صوت العقل الراجح»، وتدرك خطورة المرحلة التي يمر بها اليمن. وفيما يؤكد معارضون أن الاحزاب هي من حشدت لانتخاب الرئيس التوافقي، قال رشاد الأكحلي، وهو رئيس احزاب اللقاء المشترك المعارض، لـ«الأخبار» «إن اندفاع الناس كان عفوي جداً». وأضاف «فوجئنا بالإقبال الكبير». بدوره، رأى رئيس المجلس الاهلي، من قوى الثورة في تعز، الدكتور عبد الله الذيفاني، أن ما حدث أمس في اليمن استجابة لمطالب التغيير التي شهدها البلد خلال عام». وشدد على أن العمل الثوري لا بد من أن يستمر حتى تحقيق كل أهداف الثورة، مؤكداً أن «على القادمين الجدد إلى الحكم أن يحترموا تضحيات الشهداء ويعملوا على تحقيقها».
أما المعارضون للمشاركة في الانتخابات، فاختاروا تنظيم مسيرة سلمية الى مقبرة الشهداء في تعبير رمزي عن «أن أرواح الشهداء ما زالت حاضرة». وقالت الناشطة، بشرى المقطري، «اليوم شهدنا تدشين مرحلة جديدة من الديموقراطية، خرجنا في مسيرة رافضة لمسرحية الانتخابات، وحفاظاً على حقنا في التعبير ورفض تغذية عقولنا بأوهام جديدة، لكن آلة القمع في هذه المسيرة كانت مختلفة، حيث قام قيادي في الاصلاح بالاعتداء علينا بالسلاح الأبيض». وأضافت «لكن رغم كل شيء فإن شباب تعز رائعون؛ قادرون على مواصلة النضال ضد آلة القمع الجديدة والميليشيات الجديدة المتحالفة مع بقايا نظام علي عبد الله صالح».
أما في الجنوب، فكان أمس يوماً مفصلياً وتاريخياً، ليس بسبب انتخاب نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل لمقاطعة الانتخابات التي كانت طاغية بعدما نجح الحراك الجنوبي في دفع جزء كبير من الجنوبيين إلى الالتزام بخيار المقاطعة، طوعاً أو كرهاً، فضلاً عن الاضراب الذي عمّ العديد من المحافظات الجنوبية.
وسجل في مدينة عدن وقوع مصادمات بين محتجين اقتحموا مقار اللجان الانتخابية وقوات الأمن التي تحرسها، وسقط نتيجة لذلك قتيل على الأقل في منطقة دار سعد، فيما قتل شابان اثناء محاولتهما اقتحام لجنة انتخابية. أما محافظة لحج، فلم تصل اللجان الانتخابية إلى معظم مديرياتها ما عدا عاصمة المحافظة الحوطة، حيث اقتحم محتجون مركزاً انتخابياً وقتل شخص وأصيب 3 آخرون نتيجة قيام قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي عليهم. كذلك شهدت محافظتا حضرموت وشبوة صدامات بين محتجين رافضين للانتخابات وقوات أمنية وسقط ما لا يقل عن عشرة جرحى.
وتعليقاً على سير الانتخابات في الجنوب، قال الصحافي أديب السيد، «إننا نؤمن جيداً أن الانتخابات هي وسيلة ديموقراطية لممارسة الحق السياسي والاختيار الحقيقي في الانتخابات، لكن أن يتم إجبارنا على المشاركة في انتخابات محسومة النتائج وليس لي حرية في اختيار من أريد فهذا شيء لا يعقل». وأضاف «نحن نقاطع الانتخابات في الجنوب لأن قضيتنا سياسية متمثلة بدولة وشعب مسلوب الأرض والإرادة، وإقامة الانتخابات على ارض الجنوب بالقوة تعني أن هناك هدفاً سياسياً لسلب إرادة الجنوبيين».
في المقابل، عبر الشاب خالد عن امتعاضه من لجوء الحراك الجنوبي إلى قوة السلاح لمنع الراغبين بالاقتراع من التوجه إلى صناديق الاقتراع وتحديداً في عدن، معتبراً أن ما جرى يبرهن عن هشاشة في موقف الحراك. وشدد على أن «ما حصل في الجنوب لا يمكن أن نسميه مقاطعة للانتخابات».