تونس | أكد رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي أن أكبر تحدٍّ تواجهه بلاده هو الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به، وأن الثورة جاءت لإحلال العدالة الاجتماعية. وقال، في مؤتمر صحافي، إنه أتى إلى السعودية للمساعدة على دعم الخزينة المالية للدولة، قائلاً: «نود أن تكون هبة»، وإن تعذر ذلك «وليس على إخواننا بعزيز في شكل وديعة» أو في شكل «قروض ميسرة» على المدى البعيد.
وأضاف الجبالي أن تونس تحتاج إلى ضخ الأموال في الخزينة العامة للعمل على بناء البنية التحتية، وتوفير فرص التعليم والسكن الاجتماعي، مشيراً إلى أن تونس تحتاج إلى أكثر من ملياري دولار على امتداد العامين المقبلين للعمل على محورين: دعم النمو الاقتصادي (وإن كان بنحو اصطناعي من طريق التمويلات الحكومية) والمشاريع الحكومية، إلى أن تستعيد الدورة الاقتصادية عافيتها.
برنامج الحكومة المستعجل ودبلوماسية التمسح التي لم تعهدها تونس منذ أيام بورقيبة، كانت محل جدل من أفراد المجتمع في تونس. من جهته قال المحامي الناصر العويني المعارض متسائلاً: «لماذا لم يطلب الجبالي من السعوديين تبادل الخبرات والاستثمار». كلام العويني يصب في خانة قاعدة اقتصادية متعارف عليها في تونس منذ الاستقلال، تقول إن «رأسمال التونسيين يكمن في رأس المال البشري».
وهذه القاعدة هي التي لازمت الاستراتيجية التنموية التونسية من أيام بورقيبة، الذي كان يخصص ثلاثة أرباع الميزانية لمصلحة التنمية البشرية من تعليم وصحة وتغطية اجتماعية تقترب إلى المجانية. وهذه القاعدة، التي شذّ عنها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لمصلحة الحسابات الضيقة لعائلتي الطرابلسي وبن علي، والتي أرادت خصخصة التعليم والصحة لمصلحتها، كانت وراء ثورة التونسيين عليه.
وتواجه الحكومة أزمة توفير فرص عمل جديدة، وهي تنذر بـ«ويلات سياسية» كثيرة بدأت تتمثل باعتصامات وإضرابات متواصلة، وخصوصاً أن مشروع الميزانية التكميلية ما زال لم يدرس بعد، رغم تبني مشروع ميزانية الحكومة السابقة كمشروع مبدئي لتنظيم الميزانية، وهو ما كان محل جدل من مختلف مكونات المشهد السياسي.
ولعل لغة التمسح على أعتاب آل سعود تأتي كذلك في انسداد الآفاق على سلطة الترويكا من حيث توفير الأموال، وخصوصاً أن «الترويكا» الحالية (النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل)، كبقية المكونات السياسية الأخرى، تنظر إلى الاستحقاق الانتخابي المقبل، فيما بدأت قواعد اللعبة السياسية تتغير في المجتمع السياسي، وتسبب انقساماً (بقصد أو بغير قصد) في الشارع، وهو ما ينبئ بويلات قد لا تستحملها البلاد.
إن استراتيجية «الترويكا» قد تكون مستخلصة من نظرية جون الكاينز، الاقتصادي البريطاني، «النظرية العامة في التشغيل والفوائد والنقود» سنة 1936 التي عملت من خلالها أوروبا على التخلص من آثار الأزمة المالية في الثلاثينيات، والتي تعمل على ضخ الأموال في شرايين الاقتصاد، «لكن ليس بالتذلل والتوسل»، بل من طريق «أن الدولة تستطيع من خلال سياسة الضرائب والسياسة المالية والنقدية أن تتحكم بما يسمى الدورات الاقتصادية».