صنعاء| يفتتح اليمنيون اليوم صفحة جديدة في تاريخ بلادهم، باختيار عبد ربه منصور هادي رئيساً جديداً بدلاً عن علي عبد الله صالح، بعدما احتاجوا إلى مسيرة عام تقريباً، ناضلوا خلالها نضالاً يومياً وسلمياً، كي ينجحوا في إبعاد الرئيس صالح عن السلطة، بعدما بقي على رأس بلادهم مدة تخطت الثلاثة والثلاثين عاماً. هذه اللحظة لم يكن من الممكن الوصول إليها لولا التوافق السياسي الذي حطّت عنده رحال الثورة الشبابية السلمية، بعدما اصطدمت بجدران التدخلات السعودية والأميركية، التي لم تود أن تكون نهاية صالح عن طريق إقصاء ثوري، قد يجعل القادم الجديد بعيداً عن السيطرة، أو من خارج جهاز الحكم القديم.
وقد يكون من المنطقي، حال النظر إلى المدى التي سارت عليه أيام هذه الثورة، التوقف عند النقطة الأولى التي كانت منها بداية قدوم المبادرات السياسية الخارجية، التي هدفت إلى إيجاد مخرج آمن لعلي صالح من السلطة، بعدما اكتشفت أن أمر بقائه لم يعد ممكناً. فتداعيات المجزرة التي ارتكبها عناصر أمنيون يرتدون الزي المدني يوم الجمعة في الثامن عشر من آذار من العام الماضي، وأودت بحياة نحو 53 شاباً في ما سمي «جمعة الكرامة»، هزّت أركان الحكم، واضطّر صالح على أثرها إلى إقالة الحكومة بعد توالي سيل استقالات عدد كبير من أعضائها، إضافة إلى استقالات أخرى من الجهاز المدني والعسكري للدولة.
كان نظام صالح وقتها في حالة انهيار تام، وعلى استعداد لقبول أي مخرج له أن ينتشله من ذلك المأزق الذي وقع فيه، حتى إنه رضي بمبادرة وضعها السفير الأميركي في صنعاء، جيرالد فايرستاين، بناءً على طلب من صالح، تضمنت اقتراحاً بخروج الأخير من اليمن، لكن بشرط أن يكون بصحبة اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة أولى مدرع، الذي كان قد أعلن انشقاقه عن الجيش بعد وقت قصير من وقوع المجزرة.
وقد جرى الالتزام المبدئي بهذه الاتفاقية في اجتماع عُقد في منزل النائب عبد ربه منصور هادي، بحضور السفير الأميركي وقادة أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، على أن يكون النائب عبد ربه منصور هادي هو من ستؤول إليه عملية تسلّم السلطة، لكن ما لبث أن تراجع صالح عن هذا الاتفاق، متذرعاً بأسباب شتى، قبل أن يعمد إلى التنصل التام من الاتفاق، ليتبين أن اقتراحه لم يكن يهدف من خلاله سوى إلى اللعب على مسألة الوقت، من أجل أن تخف عنه حالة الضغط التي حصلت جراء تداعيات مذبحة «جمعة الكرامة». وما إن تخفّف منها تماماً حتى افتتح صالح مرحلة الحشد الجماهيري المضاد، عبر تسييره مسيرات شعبية حاشدة كان يُصرَف عليها من خزينة الدولة، وكأنه يقول للعالم «وأنا أيضاً لديّ جمهوري، أو شارعي».
سار صالح على هذا الطريق قليلاً، لكن تزايد أعداد الضحايا من شباب الثورة عمل على ارتفاع وتيرة الانتقادات الدولية، التي لم تجد الإدارة الأميركية حلاً أمامها غير التلويح للمملكة العربية السعودية بتقديم مبادرة باسم دول مجلس التعاون الخليجي، تكون في مجملها متسايرة مع الرغبة الأساسية لدى تلك الإدارة، في توفير مخرج آمن لصالح، مع ضمان توفير بديل مناسب، فكانت المبادرة الخليجية. هذه المبادرة، مرّت بدورها بمراحل عديدة، أمعن صالح في التلاعب بها مرات ومرات، سعياً وراء كسب مزيد من الوقت كي يكون قادراً على ترتيب أوضاع الأبناء في المرحلة المقبلة، على اعتبار أنهم يتولون أبرز الوظائف في الدولة. وبناءً عليه جرى أكثر من تعديل على تلك المبادرة، التي انتهت في الصيغة التي وقّعها علي عبد الله صالح وأحزاب اللقاء المشترك في العاصمة السعودية الرياض، في نهاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ليبدأ فعلياً العدّ التنازلي لعهد صالح، وتسليم صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي، في انتظار موعد الحادي والعشرين، الذي سيشهد انتخابات توافقية بمرشح واحد، ممثل بهادي نفسه.
لكن هذا الاتفاق، الذي تنتهي إحدى مراحله اليوم بانتخاب هادي رئيساً لليمن لفترة انتقالية مدتها عامان، فشل في تحقيق إجماع القوى السياسية والشعبية عليه. فقد وجد معارضة من بعض قطاعات شباب الثورة، الذين عدّوا المسألة بمثابة تفريط بدماء الشهداء، وذلك عبر استبدال علي عبد الله صالح برئيس من نفس النظام. وإضافة إلى هؤلاء ظهر قطاع متشدد من الحراك الجنوبي دعا إلى مقاطعة الانتخابات، على اعتبار أنها جاءت عبر المبادرة الخليجية التي يرفضونها جملة وتفصيلاً، فضلاً عن وجود تيار آخر في الحراك لا يعترف بثورة الشباب من الأساس.
ومعارضة الاتفاق امتدت أيضاً لتشمل جماعة الحوثي، التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، مع تأكيدها عدم العمل على عرقلة إجرائها في المناطق التي تسيطر عليها. وبررت الجماعة مقاطعتها بأن الانتخابات جاءت على أساس المبادرة الخليجية، التي جرى اعتبارها مؤامرة على الثورة وقطعاً لطريق الحسم الثوري، الذي اختاره شباب الثورة، كما يعدّ الحوثيون المبادرة الخليجية «تدخلاً سافراً» من الإدارة الأميركية والسعودية على وجه الخصوص في الشأن اليمني، وبناءً عليه لا يمكن أن يتعاملوا معها.
لكن دعاوى المقاطعة هذه لا تبدو مؤثرة في السياق العام الذي ستجري عليه الانتخابات، التي تبدو شكلية في ظاهرها وبمرشح وحيد. فالانتخابات في الأساس تأتي في ظل ظرف استثنائي خارج إطار الدستور اليمني، المعلق منذ توافق العديد من القوى السياسية في البلد على آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، التي ستصبح دستوراً بديلاً يسير عليه اليمن خلال الفترة المقبلة والمقدرة بعامين، هي الفترة الانتقالية التي سيُعمل خلالها على كتابة دستور جديد، وإجراء حوار وطني بين كافة الأطراف اليمنية توضع خلالها قضايا الجنوب وصعدة على طاولة النقاش، إضافة إلى كافة الإشكاليات التي كان لعلي عبد الله صالح الدور الأكبر في خلقه