توازت الجهود الصينية لـ«الحل السلمي» مع زيادة التصعيد العربي والغربي على سوريا، في وقت حذر فيه الرئيس السوري، بشار الأسد، من مخطط لتقسيم سوريا. وشدد الأسد، بعد لقائه الموفد الصيني، أول من أمس، على أن الأحداث في سوريا «تهدف إلى تقسيم البلاد وضرب موقعها الجيو سياسي ودورها التاريخي في المنطقة». وقال إن بلاده «ماضية في مسيرة الإصلاح السياسي وفق خطة واضحة وجداول زمنية محددة»، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية، كما أعرب عن «تقديره لمواقف الصين قيادة وشعباً تجاه سوريا».
بدوره، عبر المعوث الصيني، نائب وزير الخارجية، تشاي جيون، عن تأييده لخطة الأسد الجديدة لإجراء استفتاء وانتخابات تعددية في غضون أربعة أشهر، فيما ذكرت وكالة «شينخوا» الرسمية الصينية أن بكين «تعتقد، شأنها شأن كثيرين، أنه لا يزال ثمة أمل في حل الأزمة السورية من خلال الحوار السلمي بين المعارضة والحكومة، على عكس ما تقوله بعض الدول الغربية من أن الوقت ينفد بشأن إجراء محادثات في سوريا». وانتقدت كذلك موقف الغرب بشأن سوريا وركزت على الخلافات بين القوى الأجنبية بشأن كيفية التعامل مع الصراع.
وأضافت شينخوا إن الغرب لم يتحرك «من منطلق ذلك الهدف السامي المعلن والخاص بتحرير الشعب السوري بقدر ما هي اعتبارات جيو سياسية». وأشارت إلى أن الدماء تراق في العراق والصومال وأفغانستان، حيث تدخلت القوات الأجنبية وجاءت لتقديم «المساعدة».
من جهته، دعا نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أمس، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى إرسال خبراء لتقويم الوضع الإنساني في سوريا. وقال في صفحته على موقع «تويتر» إن «الوضع الإنساني في سوريا يتطلب تقويماً موضوعياً. وربما يجب على الأمين العام للأمم المتحدة دراسة إرسال خبراء إلى هناك».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد قال، في وقت سابق، إن إحدى الخطوات المهمة التي يجب اتخاذها إزاء الوضع القائم في سوريا، هي توفير نقل المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، مشيراً إلى أن دائرة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة باشرت فعلاً بدراسة مثل هذه الإمكانية والممرات الممكنة.
وأعلنت ألمانيا أخيراً أنها ستقدم مساعدة إنسانية عاجلة لسوريا بما يقارب 300 ألف يورو، في إطار مشروع مشترك سيجري تنفيذه بين الصليب الأحمر الألماني والهلال الأحمر السوري.
في هذا الوقت، قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط، أمس، إن مصر قررت استدعاء سفيرها لدى سوريا في ما يبدو أنها أحدث خطوة في سلسلة خطوات دبلوماسية عربية هدفها زيادة الضغط على الرئيس بشار الأسد. ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، عمرو رشدي، القول إن سوريا ردت على الخطوة المصرية بالمثل. ونقلت قوله «مصر علمت لاحقاً أن الحكومة السورية قررت استدعاء سفيرها بالقاهرة ... هذا قرار سوري لا نملك إلا احترامه». وأوضحت الوكالة أن القرار المصري اتخذ، بينما يقوم السفير المصري شوقي إسماعيل بزيارة للقاهرة.
في المقابل، انتقدت الجزائر موقف الجامعة العربية من الأزمة السورية، وقال وزير الدولة عبد العزيز بلخادم، في مقابلة إذاعية، إن «الجامعة لم تعد جامعة وهي أبعد من أن تكون عربية مثلما يدل اسمها. إنها جامعة تطلب من مجلس الأمن التدخل ضد أحد أعضائها المؤسسين، أو الحلف الأطلسي لتدمير قدرات بلدان عربية».
عربياً أيضاً، أعرب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عن أمله أن يحضر الرئيس السوري بشار الأسد أو من يمثله القمة العربية المقبلة في بغداد، إلا أنه شدد على أن العراق سيلتزم بقرار الجامعة العربية حيال مسألة الحضور هذه. وقال المالكي، في مقابلة مسجلة مع قناة «الرشيد» الخاصة، بثت مساء السبت، «نحن نسأل الجامعة العربية هل قرارها (...) بتعليق مشاركة سوريا هو فقط في (اجتماعات) الجامعة أم على مستوى القمة أيضاً»، التي ستعقد في بغداد في 29 آذا؟
وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، «أنا قلق من أن تنزلق سوريا الى حرب أهلية، وإن نفوذنا لفعل شيء ما حيالها مقيد جداً، لأنه كما شهد الجميع فإننا لم نتمكن من إصدار قرار في مجلس الأمن الدولي بسبب معارضة روسيا والصين». وأضاف: «لا يمكننا التدخل على النحو الذي فعلناه في ليبيا ... سنفعل أشياء أخرى عديدة».
وفي السياق، أفادت صحيفة «صندي إكسبريس»، أمس، بأن بريطانيا أرسلت دبلوماسيين إلى حدود سوريا لجمع أدلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظامها ليوم الحساب. وقالت الصحيفة إن وزير الخارجية البريطاني كشف أن حكومته تعد ملفاً يستند إلى مقابلات مع الآلاف من اللاجئين السوريين الذين فروا من بلادهم هرباً من القمع. وأضافت إن هيغ حذّر الرئيس بشار الأسد من أنه «سيواجه المحاسبة ذات يوم بتهمة ارتكاب جرائم فظيعة».
ميدانياً، شهدت مناطق في دمشق، أمس، انتشاراً أمنياً وإقفالاً جزئياً للمتاجر، غداة تظاهرة حاشدة وسط العاصمة، فيما سقط أمس ستة قتلى في أعمال عنف في مناطق مختلفة من البلاد. وقال ناشطون معارضون إن دوريات من الشرطة انتشرت في حي المزّة في العاصمة السورية دمشق، أمس، بالتزامن مع تشييع جثمان سامر الخطيب، وهو شاب قتل برصاص قوات الأمن، عندما فتحت النار على المحتجين. وقال الناشط معاذ الشامي، في إشارة الى الشارع الرئيسي، «السير في المزة الآن ينطوي على خطر الاعتقال. المنطقة هادئة، حتى متاجر الطعام المشهورة في الشيخ سعد خالية». وعاودت القوات الحكومية قصف حمص أمس. وتشير تقارير لنشطاء إلى أن نيران الصواريخ والمدفعية والقناصة قتلت بضع مئات، لكن قوات الأمن لم تلجأ الى تنفيذ اجتياح كامل للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة. ويخشى السكان من حمام دم إذا ما حدث هذا. ولفت ناشطون في ريف دمشق الى تحرك قوة عسكرية أمنية على الطريق الدولية من دمشق الى حمص، كما تحدثوا عن استقدام قوة مدرعة الى محيط مدينة رنكوس في ريف دمشق.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان هذه المعلومات، موضحاً في بيان له أن «25 دبابة وناقلات جند مدرعة و10 شاحنات» وصلت الى محيط رنكوس، فيما توجهت «قافلة قوامها نحو 32 حافلة كبيرة ترافقها سيارات اسعاف وسيارات عسكرية» الى حمص.
في هذه الأثناء، سجل سقوط 18 قتيلاً في مناطق سورية مختلفة صباح الأحد. ففي مدينة إدلب، اغتيل صباحاً النائب العام للمحافظة نضال غزال، والقاضي محمد زيادة وسائقهما الشرطي عبد القادر محمد. واتهمت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) «عصابات إرهابية مسلحة» بالاغتيال «في إطار استهداف الكفاءات الوطنية». وكانت مجموعة إرهابية مسلحة قد اغتالت أول من أمس عضو مجلس مدينة حلب جمال البش في منطقة المسيفرة بحلب.
وفي محافظة حلب، ذكر المرصد أن رجلاً قتل إثر إصابته برصاص حاجز أمن على طريق الاتارب معرة مصرين. وأضاف المرصد، في بيان له، أن امرأة قتلت في مدينة السخنة الواقعة في البادية السورية على طريق تدمر دير الزور، إثر اقتحام قوات الأمن للمنطقة، كما قتل محام في بلدة العشارة في محافظة دير الزور برصاص قوات الأمن التي اقتحمت البلدة، وفقاً للمرصد.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصادر في محافظة حماة أن «أربعة مدنيين استشهدوا بينهم طالب مدرسة وثلاثة موظفين، وجرح ثلاثة آخرون حالة بعضهم خطرة بنيران مجموعة إرهابية مسلحة، استهدفت باصاً لنقل الركاب بين قريتي كفر الطون وتل سكين في ريف حماة». وأضافت المصادر إن «الجهات المختصة وخلال ملاحقتها مجموعة إرهابية في حي باب قبلي بحماة قتلت ثلاثة من عناصرها، وجرح اثنان، وصادرت ما بحوزتهم من أسلحة». وذكرت أن «عنصرين من قوات حفظ النظام قُتلا بنيران مجموعة إرهابية مسلحة استهدفت ميكروباصاً لنقل الركاب في منطقة مورك بحماة».
الى ذلك ألقت الجهات المختصة القبض على عدد من المطلوبين مع أسلحتهم في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وخاصة في مناطق سقبا وحمورية وعربين وكفربطنا ودوما وحرستا.
وخرج مئات من سكان بلدة انطاكيا التركية قرب الحدود مع سوريا في تظاهرة تأييد للرئيس السوري بشار الأسد أمس. وتجمع متظاهرون يحملون الأعلام السورية وصور الأسد في أحد الميادين الرئيسية بالبلدة. وقالت امرأة بين الجمع إنها تؤيد الرئيس السوري. وأشار محتج آخر الى أن المطالب بتنحي الأسد مبعثها الرغبة في زيادة نفوذ الولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة.



مجموعة الأزمات الحل بالمصالحة


رأى خبير في مجموعة «الأزمات الدولية» أن المعارضة السورية في المنفى، في إشارة غير مباشرة إلى المجلس الوطني السوري، تعارض تماماً أي تنازل، وتدعو الى «تدخل خارجي» لا تحدده، |وتبدو مستعدة لقول كل ما يريد أعداء النظام سماعه للحصول على دعمهم. وهي منقسمة وتبدو غير قادرة على وضع برنامج خوفاً من أن تتفكك. وهي لم تحقق أي تقدم ملموس على مستوى أي بند سياسي|.
وأعلن بيتر هارلينغ، مدير برنامج سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية، وهو واحد من الخبراء الأجانب القلائل الذي زار سوريا بعد اندلاع الأحداث الأخيرة فيها، أن أي حل سياسي في هذا البلد يمر عبر «فترة انتقالية يتم التفاوض بشأنها» وعبر «مصالحة وطنية».