رام الله | لا يزال الفلسطينيون عاجزين عن تلمُّس مفاعيل المصالحة الوطنية الحقيقية، كذلك حال (عدم) ثقتهم بالفصائل، فهي وصلت إلى حدودها الدنيا، بينما تطغى أفكار التقشف الحكومية وغلاء الأسعار على أجواء الشارع. هذه الأمور تجعل المراقب يدرك سريعاً أن الغالبية العظمى في الشارع الفلسطيني لا تتوقع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المحدد في أيار المقبل، رغم أن الحديث عن هذه الانتخابات يستحوذ على اهتمام الشارع الفلسطيني إلى حدّ كبير. وما أثار الشارع أكثر، هو قرار المجلس الثوري لحركة «فتح» الذي قرر بالإجماع، أخيراً، أن يكون الرئيس محمود عباس مرشح حركة «فتح» للانتخابات الرئاسية، وخصوصاً بعدما أكد عباس مراراً وتكراراً عدم نيته الترشح للانتخابات المقبلة. التقت «الأخبار» عدداً من المواطنين النقديين إزاء كل من حركتي «فتح» و«حماس» لاستطلاع آرائهم حول الانتخابات، والأجواء التي تحيط بها، ومَن سينتخبون، ولماذا، وكيف هي نظرتهم للفصائل الفلسطينية في الوقت الراهن، وتحديداً في ظل الأجواء السياسية التي تعصف بالمناخ العربي العام.
لُبنى بندك من بيت لحم، لدى سؤالها عمن ستنتخب، تقول لـ«الأخبار» إن السؤال صعب، «لكن بالطبع لا فتح ولا حماس، سأنتخب المبادرة الوطنية الفلسطينية برئاسة مصطفى البرغوثي، لأن البديل لدينا غير مطمئن، بمعنى أن هنالك أحزاباً غير علمانية وتدّعي التحدث باسم الدين كما يحدث في الدول العربية بعد الثورات والظهور الكبير للإسلاميين». أما حسن من نابلس، فيجيب بلا تردد وبالعامية: «بدّي أنتخب حدا زي سلام فياض لأنو إنسان نظيف، ولا أريد التحدث عن الفصائل لأنها لا تستحق»، على حد تعبيره.
بدوره، سيمتنع عودة ناصر عن التصويت في ظل «المصالحة الوهمية»، لأن «الفصائل الفلسطينية أصبحت أداة وصول الى الكراسي أكثر من أداة للتحرر». ومن رام الله، يشير رائد عواد إلى أن معياره في الاقتراع سيكون المرشح لا الفصيل، لأنه بالنسبة إلى الفصائل «ليس هناك حالياً سوى فتح وحماس، لكن الطريف أنه قبل أيام من الانتخابات، تسمع عن فصائل كثيرة، وعن شيء اسمه التغيير، لكنك لا تلمس ذلك، وتعرف أنها مجرد شعارات، لأن لا أحد يأبه للتغيير، وهناك غالبية مستفيدة من هذا الوضع المترهل الذي نعيشه».
وفي السياق، يبدأ جورج نمر من بيت لحم حديثه بـ«سأختار بحسب المرشحين وتوجُّهاتهم»، قبل أن يعترف بأنه «عموماً، الوضع الانتخابي سيئ جداً، ولا أرى أي دور إيجابي للفصائل الفلسطينية إلا في حالة واحدة، وهي تشكيل جبهة عريضة لمنع أي من حركتي فتح أو حماس على اختلاف توجههما من السيطرة على نتائج الانتخابات». هكذا أيضاً حال الكاتب الفلسطيني مجدي الشوملي، الذي يلفت إلى أنه «بعد تجربة 2005، ثبت أن الأشخاص الذين ينجحون في الانتخابات لا تتم مراجعتهم من قبل تنظيماتهم، وبالتالي فقد أصبحوا يمثلون أنفسهم أكثر».
مشكلة القوائم الانتخابية أيضاً تُذكَر كثيراً في الشارع، إذ إنّ النظام الفلسطيني يرغم الناخب على اختيار قائمة كاملة، من دون حفظ حقه باختيار مرشح محدد. أما في ما يتعلق بقرار حركة «فتح» تسمية عباس بالإجماع كمرشحها لانتخابات الرئاسة، فقد كان رد الشارع أكثر قساوة؛ على سبيل المثال، يعلّق علاء بدارنة لـ«الأخبار» بالقول «أتخيل أن الرجل لا يرغب في خوض الموضوع، سواء اختارته حركة فتح أو لا، ولا أعتقد أن أمام الشعب الفلسطيني بدائل أخرى». بدوره، يشير فتح منصور إلى أنّ عدم تعليق الرئيس على قرار «فتح» يثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن صدقيته، «وفي حال قَبوله بهذا الترشيح، فإنه سيؤكد شكوك الكثيرين بأن هناك مسرحية يجري إخراجها منذ فترة لإعادة انتخابه بهذه الطريقة». غير أن محمد يرى في ترشيح «فتح» لأبي مازن لولاية رئاسية جديدة، رغم رفضه لذلك، «تعبيراً عن مدى الأزمة الداخلية للحركة» في ظل عدم قدرتها على ترشيح بديل وتخوف من عدم قدرة مرشح آخر على مواجهة القيادي الفتحاوي محمد دحلان، إذا ما قرّر الأخير الترشح للرئاسة. مواقف شعبية يتبنّاها خطاب محللين سياسيين كخليل شاهين بقوله إن «الشارع ليس لديه ثقة بوجود إرادة سياسية من قبل حركتي فتح وحماس من أجل إجراء الانتخابات في موعدها المعلن. وبحسب كل المؤشرات المتوافرة، فإن الطرفين يسعيان إلى التأجيل». ويتابع شاهين إنه، إلى جانب ضعف الثقة في النيات، «ثمة خشية حقيقية من تكرار تجرية الانتخابات السابقة، وهو أمر يجعل المواطن غير متأكد من ممارسة خياراته بحرية، في ظل عدم اعتراف محتمل من إسرائيل والمجتمع الدولي في ما ستفرزه نتائج الانتخابات». ووفق شاهين، فإنّ العامل الثالث هو «ضعف الثقة ببرامج الفصائل عموماً، وفتح وحماس على وجه الخصوص». ويفصّل كلامه بالتذكير أن «فتح خاضت الانتخابات الأخيرة على برنامج يعلن إقامة الدولة الفلسطينية عن طريق المفاوضات، وهي تجربة أثبتت فشلها، بينما في المقابل خاضت حماس الانتخابات على أساس برنامج ينظر إلى المقاومة، وتحديداً المسلحة منها، على أنها طريق الخلاص من الاحتلال نحو الحرية، في حين أننا بتنا نسمع من حماس شعارات المقاومة الشعبية ووقف تلك المسلحة».
خلاصة الأمر مثلما يراه شاهين هي أن الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة «خبر الطرفين على مستوى الحكم، سواء سياسياً أو اقتصادياً، أو حتى على صعيد انتهاك الحريات العامة، وبات لا يعتبر أن أياً من التجربتين قد نجحت. غير أن المشكلة تبقى وفق تعبير شاهين هي نفسها، إذ إنه «لا وجود لبديل جاهز بمعنى التنظيم السياسي، وهو الأمر الذي يجعل المواطن يتجه إما إلى عدم ممارسة حقه في الانتخاب، أو البحث عن أفراد لا عن تنظيمات، وهو أمر له سلبياته وإيجابياته».