بعثة البنك الدولي في مصر للنظر في قرض طلبته الحكومة قيمته مليار دولار، والداعية السلفي الشيخ محمد حسان من ناحية أخرى يطلق «مبادرة»، بتأييد من الحكومة ومشيخة الأزهر، للتبرُّع للاقتصاد المصري للاستغناء عن المعونة الأميركية التي يصل حجمها إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، يستحوذ الجيش على 1.3 مليار منها تحت شعار «المعونة المصرية». قد يكون التزامن بين الحدثين مثيراً لمفارقة واضحة. فما دام الاستقلال الوطني يتطلب أن تستغني البلاد عن معونة لا تُرد، فالأولى به أن يطلب الاستغناء عن قرض يُرد بإضافة الفوائد. لكن قضية الاستغناء عن المعونة يراها مراقبون مناورة موجهة من «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» إلى الولايات المتحدة، يلوّح بها في مواجهة ضغوطها على خلفية قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية، التي ينظر فيها قضاة التحقيق، وسط حملة إعلامية واسعة النطاق ضد التمويل الأميركي الذي تصفه الحكومة بالمخالف للقانون. أما مبادرة حسان، فلا تختلف في جوهرها عن مبادرة الحكومة نفسها قبل ما يقرب من عام، بُعيد الثورة، للتبرع في حساب مصرفي أنشأته وزارة المال لدعم الاقتصاد الوطني، وهي المبادرة التي أسفرت عن فشل ذريع، وفقاً لتسريبات من الوزارة التي لم تعلن رسمياً حتى اليوم عن حجم ما وصلها من تبرعات في حينها.
واللافت أنّ تخصيص حسّان مبادرته لمواجهة المعونة الأميركية، دفع الحكومة ربما للترويج لمبادرة حسان بأكثر مما كانت قد روّجت لمبادرتها المنسية، وذلك بالتزامن مع تلويح المجلس العسكري بمؤامرات خارجية وداخلية تُحاك لإسقاط الدولة نفسها، على حدّ ما جاء مثلاً في بيانه يوم الجمعة الماضي، قبل ساعات من الإضراب العام الفاشل، الذي واجهه حسّان نفسه بدعوته «كل موظف مسلم على الأرض» إلى أن يذهب إلى عمله.
في غضون ذلك، تواصل بعثة البنك الدولي مباحثاتها مع مؤسسات وقوى سياسية واجتماعية لاستطلاع رأي المجتمع بشأن قرضها المزمع إعطاؤه لمصر، وهو توجُّه جديد للبنك مع القاهرة سار فيه على ما يبدو على خطى صندوق النقد الدولي الذي زارت بعثته مصر الشهر الماضي، واستطلعت آراء عدة جهات غير رسمية بشأن قرض قيمته 3.2 مليارات دولار، يُدرس تقديمه لمصر بناءً على طلب منها. هو توجّه يفسّره رئيس تحرير «التقرير الاقتصادي» السنوي الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد النجار، بـ«وطأة الإخفاق العظيم بعد ثورتَي تونس ومصر، إثر تقارير صادرة من البنك امتدحت بشدة سياساتهما الاقتصادية التي كشفت الثورتين مدى سوئهما»، على حدّ تعبيره. وتدعم تقارير صادرة عن البنك الدولي قبل الثورة المصرية بشهور، ما يذهب إليه النجار، مثل ذلك الصادر في نيسان 2010 بعنوان «مصر: صمود أمام الأزمة المالیة من خلال نظام مالي سلیم»، الذي نص على أن مصر أحرزت تقدماً هائلاً على صعيد إصلاح القطاع المالي بعدما خصخصت رابع أكبر مصرف مملوك للدولة، وهو بنك الإسكندرية الذي جرى بيعه لبنك ساو باولو الإيطالي، في صفقة أثارت جدلاً كبيراً في حينها بشأن التقييم المتدنّي للبنك.
ويتضح في هذا الصدد سعي البنك هذه المرة إلى تغيير صورته الباهتة بنظر المصريين، كداعم قوي لنظم فاسدة، إذ لم يكتفِ بزيارات بعثته التي تضم في عضويتها المدير الإقليمي للبنك نفسه، بل دعا مستخدمي صفحته الرسمية على شبكة الإنترنت إلى المشاركة في «المشاورات» بشأن الأولويات التي ينبغي عليه مساندتها في مصر.
وقد زارت بعثة البنك، أول من أمس، مثلاً، مقر الاتحاد العام للنقابات المستقلة، وكشفت خلال الاجتماع مع القيّمين على الاتحاد عن أنها لم تتلقَّ من الحكومة المصرية أي برنامج تحصل بموجبه على القرض، فـ«ربما تظن الحكومة المصرية أننا ننوي التوقيع لها على حوالة مصرفية بالمبلغ بمجرد طلبه، من دون أن نتحقق من أوجه إنفاقه»، وفق ما نقله ممثّلو الاتحاد للصحافيين عن عضو في البعثة بعد اللقاء.