الرباط | كثيرون لم يولوا التصريحات المتكررة للرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي بضرورة إحياء «الاتحاد المغاربي»، أهمية كبرى. غير أن الزيارة الأخيرة للمرزوقي إلى دول المغرب العربي أعادت إحياء الأمل باحتمال ولادة جديدة للاتحاد المقبور، وخصوصاً مع الإشارات الإيجابية التي بعثها الملك المغربي محمد السادس، لدى لقائه الرئيس التونسي قبل أيام، بانتظار لقاء وزراء خارجية الدول المغاربية اليوم في الرباط، وهو ما يتزامن مع الذكرى الـ 23 لتأسيس الاتحاد، لكنّ عدداً من المراقبين يشككون في مدى واقعية أحلام المرزوقي، تحديداً مع استمرار مشكلة الصحراء الغربية وتبايُن وجهات النظر بين البلدين. ظلّ المغرب يردد رسمياً أن الاتحاد المغاربي، الذي أنشىء عام 1989، هو من أولوياته، وأنّ جارته الجزائر هي من تقف دائماً عائقاً أمام تقدم الاتحاد ومشروعه السياسي والاقتصادي في المنطقة. وحتى عندما تلقّى المغرب الدعوة من دول مجلس التعاون الخليجي للشراكة المتقدمة في المجلس، أكد المغرب أن الاتحاد المغاربي يبقى هدفه الاستراتيجي. تعقيدات يعي المرزوقي جيداً أنها ستمثّل العقبة الأبرز في تقدم العمل بالاتحاد، وخصوصاً أن الأنظمة في البلدين لا تزال على ذات القدر من العناد، وهو ما دعاه لأن يطلب من الجزائر والرباط أن تضعا قضية الصحراء «بين قوسين»، من دون أن يوضح الرئيس التونسي ما الذي يقصده بهذه العبارة، لعلمه بعمق الخلاف وتجذُّره، مع تمسك الرباط باقتراحها الذي يفيد بمنح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً، وسط تمسُّك الجزائر، التي ترعى «جبهة البوليساريو»، بـ «حقّ تقرير مصير الشعب الصحراوي»، وهو ما أدّى إلى تعطيل مشروع الاتحاد.
أحلام الرئيس التونسي تبدو مغرقة في الطوباوية، بحسب الباحث أحمد عصيد، لأنّ الرئيس الجديد يعلم أن العائق الرئيسي وراء عودة عجلة الاتحاد المغاربي يبقى استمرار حالة التوتر بين الدولتين بشأن ملف الصحراء. ويشير عصيد إلى أن حديث المرزوقي عن وجوب ترك القضية على جداول أعمال الأمم المتحدة سبق أن قاله قبله آخرون، دون أن يتحقق «رغم أن رياح التغيير التي هبّت على المنطقة جعلت القيادتين تتقاربان، وتقرران البحث عن آفاق جديدة لتحسين مستوى علاقاتهما». كل ذلك رغم أن إعادة الروح إلى الاتحاد الإقليمي لم تكن على جدول مباحثات وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في الجزائر في كانون الثاني الماضي، في وقت يُنتظر أن يؤدي فيه المرزوقي دور عرّاب المصالحة بين الطرفين.
في غضون ذلك، بعث المغرب برسائل إيجابية في ما يتعلق بعلاقته مع الجارة موريتانيا، من خلال الدعوة المفتوحة التي وجهتها المملكة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لزيارة المغرب، بعدما شهدت العلاقة فتوراً كبيراً في الأسابيع القليلة الماضية على خلفية عدد من «الأزمات الصامتة». ويرى أستاذ العلاقات الدولية، خالد الشيات، أنّ الحديث عن أزمة بين المغرب وموريتانيا أمر «مبالغ فيه»، وأن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الموريتانيين تثبت ذلك.
من جهة ثانية، تبدو العلاقة مع تونس في أفضل حالاتها، إذ إنّ زيارة الرئيس التونسي الأخيرة إلى المغرب جدّدت متانة العلاقات التي كان المغرب يرتبط بها مع نظام زين العابدين بن علي، بينما أسهم سقوط معمر القذافي في بناء علاقة متميزة مع السلطات الليبية الجديدة، التي ما فتئت تشيد بالدعم المغربي لجهود إطاحة القذافي.
من الواضح أنّ وعي البلدان المغاربية لكون تحقيق حلم الاتحاد المغاربي يمرّ عبر تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدان وتذويب الخلافات بينها، قد بدأ يترسّخ كانعكاس إيجابي لرياح التغيير التي تهب على المنطقة. غير أنّ الأمر سيأخذ بعض الوقت؛ فإذا كان المغرب وتونس يملكان رؤية شبه موحدة حول مستقبل المنطقة المغاربية، والخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة التحديات الإقليمية والأزمة الاقتصادية، فإن الأمر لا يبدو بذات الدرجة من الوضوح بالنسبة إلى بقية الأقطاب المغاربية، لكن الأكيد أن عام 2012 سيمثّل نقطة انطلاق جديدة للمغرب الكبير.