تونس | تسلك الدبلوماسية التونسية مساراً جديداً منذ صعود التيار الإسلامي «الوسطي» إلى سدة الحكم، إذ أصبحت تتمحور حول السياسة بنحو أساسي، بدل المعايير السابقة، الأمنية والاقتصادية. وأول ما قامت به الدبلوماسية الجديدة، كان سحب الاعتراف بالنظام السوري وطرد سفيره وطاقمه الدبلوماسي، واستدعاء الطاقم التونسي من دمشق. ولم تكتفِ بذلك، بل اقترحت عقد مؤتمر لـ«أصدقاء سوريا» في تونس في 24 من الشهر الجاري لإخراج القضية السورية من عباءة مجلس الأمن للتخلص من الفيتو الروسي والصيني. الدعوة التونسية إلى عقد هذا المؤتمر أدخلت زخماً داخلياً وخارجياً إلى عمل الأحزاب ومكونات المجتمع المدني التونسي، إذ رأت أطراف كثيرة أن طرد السفير السوري واستضافة «مؤتمر أصدقاء سوريا» إنما هو «مؤامرة»، أو قرارات «غير شرعية» على الأقل. غير أن وزير الخارجية التونسي، رفيق عبد السلام، سارع أمس إلى نفي أن يكون هدف المؤتمر استنساخ النموذج الليبي، مشيراً إلى أن «المجلس الوطني السوري» المعارض لن يُشارك فيه. وقال إن مسألة الاعتراف بـ«المجلس الوطني السوري المعارض غير مطروحة الآن، وخصوصاً في ضوء الحوار الجاري بين أطراف المعارضة السورية، وإلى أن يجري إعلان تمثيلية حقيقية لمختلف مكونات الشعب السوري، عندها يمكن الحديث عن الاعتراف». وشدد على أن بلاده «لن تكون مطية لأي نوع من التدخل العسكري في أي دولة عربية». وشدّد على أن الهدف من المؤتمر «توجيه رسالة قوية إلى النظام السوري للكف عن قتل المدنيين».
ونفى الوزير التونسي أن تكون بلاده قد خضعت لإملاءات خارجية لاستضافة المؤتمر المرتقب بهدف تدويل ملف الأزمة السورية، وقال إن «المؤتمر سيُعقد بقرار تونسي وضمن حدود القرار الوطني والمصالح الوطنية والمصالح العربية، ما يعني أنه ليس هناك أي جهة أو دولة لها الحق في فرض أجندتها أو سياستها الخاصة على تونس».
غير أن طمأنات الوزير قد لا تنفع في تجنيب تونس معركة دبلوماسية على النطاقين الإقليمي ـــــ العربي (مع دول رافضة للتدخل، كالجزائر والمغرب)، والدولي (مع روسيا والصين). ولعل هذه الدبلوماسية التونسية الجديدة تندرج في نطاق حساب ضيِّق، جعل الكثير من المحللين يتحدثون عن «تحوُّل خطير» مع مرور البلاد في مرحلة انتقالية حسّاسة سياسياً واقتصادياً، بموازاة مؤشرات «حمراء» دقّ ناقوسها المصرف المركزي التونسي، بإعلانه أن نسبة النمو الاقتصادي في تونس عام 2011 كان سلبياً.
ولعل هذا المؤتمر قد يسبّب تزايد شكوك الدول المغاربية تجاه الدبلوماسية التونسية الجديدة، وخاصة أنها «تأتي من دون تنسيق مع دول الجوار المغاربي، وتحديداً الجزائر والمغرب»، ولأن هذه الاستضافة كانت نتيجة «ضغوط خارجية مُورست على السلطة الجديدة»، على حدّ تعبير الكاتب العام لوزارة الخارجية التونسية السابق، عبد الله العبيدي في تصريح لـ«الأخبار».
ويبرر مناهضو النظام السوري وضع تونس في واجهة الحملة على دمشق بواقع أن «الربيع العربي» انطلق منها، وبالتالي فعليها أن تساند حركات التحرر، وفق منطق «تصدير الثورة»، بما يتنافى مع «القانون والشرعية السياسية التي تمر بها تونس»، بحسب بيان جمعية «القانون والتطبيق» التونسية، التي أشارت إلى أن هذا الموقف يطرح علامات الاستفهام حول العلاقات القائمة مع البحرين «التي تقمع الحريات». ويتساءل بيان «القانون والتطبيق» عن مدى إتاحة التنظيم المؤقَّت للسلطة لرئيس الدولة والحكومة المؤقَّتين اتخاذ مثل هذا القرار، بما أن القانون التأسيسي الذي يسيّر المجلس التأسيسي، يحصر صلاحياته بأمرين: إعداد الدستور، والإشراف على إدارة شؤون البلاد لفترة محددة تنتهي بإقرار الدستور وإرساء المؤسسات. موقف مشابه تبنّاه حزب «الاتحاد الديموقراطي الوحدوي التونسي» في رفض استضافة تونس مؤتمر «أصدقاء سوريا»، بما أنه عبارة عن «مؤامرة». في المقابل، إنّ «الاتحاد العام التونس للشغل»، الذي كان دوره ريادياً في نجاح الثورة، أوضح أنه «رغم وقوفه إلى جانب دعم حق الشعوب في الحرية والكرامة ومقاومة الاستبداد في سوريا واليمن والبحرين»، فإنه «يرفض في الوقت نفسه التدخل الأجنبي الذي يقود إلى الهيمنة الاستعمارية».