رغم حرص الطرفين الإسرائيلي والقبرصي، على محاولة إضفاء طابع اقتصادي حصري على اتفاق التعاون بين الدولتين، إلا أن النظرة الأولية لبعض مضامين الاتفاق، والظروف المحيطة به، تكفي لاستخلاص حقيقة الأبعاد الاستراتيجية التي ينطوي عليها، وخصوصاً أن قبرص ستسمح باستخدام مجاليها الجوي والبحري لسلاحي البحر والجو، للدولة العبرية، في محيط يسوده نوعان من العلاقات تجاهها، أقله التوتر وأقصاه العداء. وحاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الالتفاف على ردود الفعل المتوقعة على اتفاق التعاون الذي وقّعه مع نظيره القبرصي، ديمتريس كريستوفياس، والذي ينص على أنه في حال حصول فاجعة فسيسمح بدخول موضعي لقوات جوية وبحرية من إسرائيل الى قبرص، وبالعكس. ووجّه رسالة ضمنية بالقول إنه يمكن متابعة المقاربة الإقليمية في مجال التنقيب عن الغاز الذي «يمكن أن يبدأ بالتعاون بين قبرص وإسرائيل، وقد يمتد الى آخرين إذا اختاروا المشاركة».
وفي إشارة محددة إلى احتياطيات الهيدرو كربون التي عثر عليها في المنطقة الاقتصادية الحصرية في قبرص وإسرائيل، قال نتنياهو «إذا تعاونّا، فإن حجم الاحتياطي سيكون أكبر من الأجزاء الفردية. ونحن نعمل في الأشهر المقبلة على استكمال دراسة مشتركة لبحث كيفية ترجمة هذا التعاون بمشاريع اقتصادية عملية». وأشار إلى أن من الأفضل إدارة المشاريع الكبرى بالتعاون مع آخرين.
أيضاً، في الوقت الذي رأى فيه نتنياهو أن الاتفاق يمثّل «الخطوة الأولى في تطوير الحقول، وبعد ذلك سيتم فحص جدوى مدى أنابيب الغاز وإقامة منشأة لتسييل الغاز»، تجنب الرئيس القبرصي الإجابة الصريحة عن الاتفاق الأمني بين البلدين إزاء إمكان مهاجمة عمليات التنقيب، كما رفض نتنياهو الإجابة عن سؤال يتعلق بباراك (خبر محاولة اغتياله في سنغافورة)، أيضاً، «أنا أقول إننا تبادلنا الآراء حول حماية عمليات التنقيب، لكن ليس من الحكمة إشراككم فيها».
رغم ذلك، يؤكد الواقع الإشكالي القائم بين قبرص وتركيا وإسرائيل، أن الاتفاق موجه نحو أنقرة، كما كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست»، التي نقلت عن دبلوماسي إسرائيلي قوله إن تل أبيب تنظر الى قبرص على أنها «شريك إقليمي مهم إلى جانب اليونان ورومانيا وبلغاريا، وينظر إليها على أنها تحالف إقليمي موازٍ لتركيا». ولفتت الصحيفة الى أن العلاقات بين تل أبيب ونيقوسيا بدأت بالازدهار في الوقت الذي تدهورت فيه مع تركيا على مدى السنوات الأربع الماضية، حيث تنظر إسرائيل الى قبرص من الناحية الجغرافية على أنها أقرب دولة إلى الدول الأوروبية، بوصفها جسراً الى أوروبا، ولا سيما في ما يتعلق بقضايا الطاقة.
حساسية الاتفاق بالنسبة إلى أنقرة دفعتها الى توجيه التحذيرات من أن التنقيب في حقول الغاز شرقي المتوسط من دون ترخيص سيوتر المنطقة، وأكدت في بيان صادر عن وزارة الخارجية أنها «لن تقبل بأن تقوم شركات نفط أجنبية بعمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرقي المتوسط من دون ترخيص». وهو ما دفع المتحدث باسم الحكومة، مارك ريغيف، الى وصف زيارة نتنياهو بالتاريخية والقول إن «اسرائيل وقبرص لديهما مصلحة في أن يكون شرقي البحر المتوسط منطقة آمنة ومستقرة، وأعتقد أننا سندعم جميع الجهود لضمان أن تبقى هذه المنطقة مستقرة وسلمية»، وأضاف ريغيف «إذا نظرنا الى المنطقة ككل، فنرى أنه في عام 2011 كان هناك حالة من عدم الاستقرار، وشاهدنا ذلك في شمال أفريقيا وفي أجزاء من العالم العربي، وأعتقد أننا كبلدين ديموقراطيين لدينا مصلحة في السلام والاستقرار، وسندعم ذلك».
(الأخبار، يو بي آي)