الرباط | الجو صقيع في المغرب هذه الأيام، وإذا كان سكان المدن والحواضر قد استطاعوا مقاومة الطقس البارد فإن ثمة مغرباً آخر يرزح تحت رحمة البرد، يسمونه المغرب العميق. هناك لا آلات تدفئة ولا حتى طرق آمنة توصل الغذاء إلى المواطنين، هناك سكان القرى النائية معزولون عن العالم الخارجي، فيما تغط أجهزة الدولة في نوم عميق متغافلة أو متعمدة لأسباب تاريخية. التساقطات الثلجية قتلت الحياة في هذه المناطق وحولتها إلى بؤر يصعب الدخول إليها، ليقاسي أهلها وحدهم قهر الطبيعة وظلم النظام الذي لا يتذكرهم إلا موسمياً ولذر الرماد في العيون فقط وتجميل صورة الدولة المغربية. «يبعثون ببعض المساعدات ويأتون بالتلفزيون ليصور»، يقول موحا، أحد سكان تلك البقعة، متحدثاً عن المساعدات التي بعثت بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن.
توقفت الدراسة في معظم مدارس هذه المناطق، فالثلوج التي تغطي الطرق تمنع التلاميذ من الوصول إلى مدارسهم المهترئة أصلاً، «ما نريده حقاً هو تعبيد الطرق، فبسبب هذا المشكل لا تصلنا المواد الغذائية وإذا وصلتنا فإنها تكون باهظة الثمن ونقتات فقط على الخبز والزيت والشاي»، يضيف موحا لـ«الأخبار». ملّ السكان من الاحتجاج ومن مسيراتهم الداعية إلى رفع التهميش عنهم والتي لا تلقى سوى الآذان الصماء من طرف ممثلي السلطة المحلية هناك الذين يبيعونهم وعوداً كاذبة. ويرى الناشط الحقوقي ادريس بيكليم أن المعاناة التي يقاسيها مغاربة المغرب العميق تكشف «أوهام التنمية البشرية» و«العناية بالعالم القروي» وغيرها من الشعارات التي تروج لها السلطة. وتابع: «غياب البنية التحتية والتنمية الحقيقية جعل الأوضاع المناخية الحالية تؤزم وضعية سكان المناطق الجبلية، فالدولة المغربية كانت ولا تزال بعيدة عن تنمية هذه المناطق وفك العزلة عنها، فلا يعقل أن نكون في القرن الحادي والعشرين وتوجد هناك مناطق بدون مسالك طرقية معبدة وبدون مستشفيات ولا حتى وسائل النقل».
الباحث السياسي والقانوني لحسن صابر يرى أنه بالنظر إلى ما يعرف في القانون بالمسؤولية التقصيرية فإن الدولة المغربية مسؤولة عن مجموع مواطنيها تدبيراً وتوزيعاً، وأكمل متحدثاً لـ«الأخبار» «لا شك أننا ورثنا عن المرحلة الاستعمارية بل وما قبلها ذهنية وتوجه الاهتمام بتمركزات السكان والانشطة والعائدات وهو ما اصطلحنا عليه بالمغرب النافع والمغرب غير النافع، لكن المعضلة الحقيقية هي أن دولة الاستقلال لم تنتج ما يفيد التخلص من هذه الشرنقة بما انعكس على سياساتها وتوجهاتها التنموية».