الجزائر | عزّزت موجة البرد والصقيع والثلوج الكثيفة التي تضرب الجزائر منذ مطلع الشهر الجاري، والبطء الشديد في تعاطي السلطات معها، عوامل الغضب والنقمة لدى الملايين، وخصوصاً من سكان البلدات الصغيرة والقرى المنتشرة بالآلاف على سفوح الجبال وحول مجاري الأودية؛ فطوال ثلاثة أيام حالكة بالنسبة إلى القرويّين الجزائريين، أصدرت السلطات ثلاثة بيانات خاطبت بها السكان، من دون كلمة واحدة عن معاناتهم من البرد وشح موارد الغذاء ووقود التدفئة، ولا حتى عبارة تعزية لوفاة أكثر من خمسين شخصاً بسبب تردّي أحوال الطقس. وكان الجميع ينتظر أن يخصِّص مجلس الوزراء، في اجتماع أول من أمس، بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، جزءاً من جلسته لمعالجة التأخر في إسعاف ضحايا العاصفة، لكن الاجتماع انتهى ببيان من أهم ما تضمنه، رفع عدد نواب البرلمان في الانتخابات المقررة في 10 أيار المقبل إلى 462 عوض 389 حالياً. والتواصل الثاني للسلطات مع الجمهور كان عبر خطاب ألقاه بوتفليقة يوم الجمعة، استدعى فيه الهيئة الناخبة، ولم يشر أيضاً إلى معاناة الناس. أما الخطاب الثالث، فوصفه الكثيرون بـ«الوقح والمستفز»، وكان عبارة عن رسالة نصية على الهواتف النقالة، طلبت فيها السلطات من المواطنين التعاون مع قوى الأمن للقبض على إرهابيين يدفعهم الثلج والصقيع والبرد الشديد لمغادرة جحورهم في الجبال بحثاً عن المؤونة والدفء. ويتحدث صحافيون جزائريون عن «سلوك غبي» من النظام في هذه الأيام إزاء مزاج الناس، على غير ما يقتضيه الخطاب الانتخابي. وقبل موجة البرد القاتلة، كان الحديث جارياً بغزارة ــ عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة ــ عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة بسبب فشل الحكومة والسياسات الرسمية عموماً في تجسيد تطلعات الجزائريين رغم توفر المال والشروط الطبيعية للنجاح. وزاد التأخر في مساعدة المحتاجين للإغاثة بسبب العاصفة الثلجية من نقمة الناس على النظام واختياراته ورجاله. ونقلت الصحافة في تحقيقات ميدانية أقوالاً لسكان غاضبين، ومن بين العبارات التي تكررت كثيراً «لا نريدكم أن تبحثوا عنا يوم الاقتراع»، في ردّ مباشر على اهتمام السلطات بالانتخابات، بينما يموت الناس برداً واختناقاً. وهبّ الناس في بعض المناطق الريفية لتقديم العون من مواد غذائية وأغطية وأدوية ووقود، في حملة تضامنية اجتماعية خارج الأطر الرسمية. وحلّ المحسنون حيثما أمكن في القرى المحتاجة وقدموا الدعم. وبقدر ما كان الغيظ شديداً ضد الرئاسة والحكومة والادارات المحلية، كان الانطباع العام ايجابياً إزاء الجيش الذي تحرك بقوة في 15 ولاية بمعدات ضخمة وبفرق كاملة من الجند لفتح المسالك وتقديم المعونة وإجلاء من كانوا في مواقع الخطر، ونقل المرضى إلى المستشفيات. كذلك تحركت عشرات الجرافات والكاسحات في ولايات سطيف والقبائل وجيجل والبليدة والمدية وتلمسان وغيرها من الولايات التي غرقت بثلوج بلغ سمكها في بعض المناطق ثلاثة أمتار بحسب هيئات محلية رسمية. وعلى مرتفعات ولاية جيجل مثلاً، غمرت الثلوج المنازل، ولم يتمكن من فيها من الخروج إلا بعد فتح الجيش منافذ لأبوابها. وأُنزلت المواد الغذائية ووقود التدفئة ومحركات الكهرباء من مروحيات نقلت القوات الجوية إلى عدد من القرى والبلدات التي تعذر فتح مسالك لتموينها. وأدّت الثلوج الكثيفة إلى ردم مخازن الغاز الموجودة في الهواء الطلق، وإلى قطع عشرات الطرق ما أدّى إلى ارتفاع جنوني في سعر عبوات غاز البوتان المستعمل في الأرياف. ووصل سعر العبوة إلى 2000 دينار، بينما سعرها في الظروف العادية أقل من 500 دينار. وسجلت شركة الكهرباء والغاز استهلاكاً قياسياً للكهرباء مساء يوم الأربعاء الماضي، بما يقارب 8400 ميغاواط عند الساعة التاسعة مساءً، جراء تشغيل مكثَّف للمكيفات الكهربائية، بسبب نقص وقود التدفئة من مازوت وغاز. كذلك التهبت أسعار الفواكه والخضرة بسبب عدم امكانية جنيها من البساتين والحقول التي غطت الثلوج بعضها، وحوّلت الفيضانات بعضها الآخر إلى برك عملاقة. وتخشى أوساط شعبية ورسمية من نفاد مخزون البطاطا والخضر والفواكه والعجائن والحبوب الجافة واللحوم في عدة مناطق من البلاد، مع إعلان ديوان الأرصاد الجوية عن استمرار تساقط الثلوج لثلاثة أيام جديدة، وهو ما يهدّد باتساع رقعة الاحتجاجات التي بدأت في بعض الجهات ومن بينها الأحياء العشوائية في العاصمة التي لا ترتبط بشبكة الغاز الطبيعي.