رام الله | في كل حديث سياسي أو مفاوضات، وفي كل التفاصيل على الأرض، تبرز قضية الاستيطان والمستوطنات لتتصدر المشهد، لكون الاستيطان أصبح الشرط الرئيس بالنسبة للفلسطينيين قبل العودة إلى أي مفاوضات مع إسرائيل. لكن المفارقة تتجسد في كون من يبني المستوطنات هم العمال الفلسطينيين، وعلى أرضهم، فضلاً عن أنهم يدفعون الأموال يومياً لإسرائيل مقابل السماح لهم بالدخول للعمل.
الأرقام الحقيقية لمن يعملون في المستوطنات كثيرة، لكن آخر دراسة أعدّت للحديث عن بدائل العمل في المستوطنات، ذكرت أن ما يقرب من 25 ألف فلسطيني يعملون في المستوطنات، كل منهم يدفع 23 شيقلاً (ما يقارب 6 دولارات) للحصول على تصريح خاص من سلطات الاحتلال كي يتمكن من الدخول إلى المستوطنة والعمل فيها.
ويتبين وفقاً لمنسق الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، خالد منصور، أن الكلفة اليومية التي يدفعها الفلسطينيون لإسرائيل مقابل بناء المستوطنات لا تقل عن 125 ألف دولار يومياً، من عمال المستوطنات وحدهم.
أما عن البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين، فتحدث منصور لـ«الأخبار» عن تجربة استثمار في الأرض الزراعية الفلسطينية بقيمة مليوني دولار جُرّبت كبديل. وأوضح أن هذه التجربة أثبتت بنجاح أن 450 عاملاً فلسطينياً عادوا للعمل في أرضهم، وهو أمر بالغ الأهمية للتفكير فيه بجدية، ما دمنا نتحدث عن «قانون يحرم العمل في المستوطنات الإسرائيلية».
البدائل الأخرى، يقول منصور، «تتجسد في تكثيف خطط الحكومة في ما يتعلق بالبنى التحتية في البلد، والشوارع وشبكات المياه وغيرها، لتوفير فرص العمل والاعتماد على الأيدي العاملة الفلسطينية». ويشكو من أنه «رغم رفع شعار مقاطعة العمل في المستوطنات منذ عامين، لم نلمس جهوداً كبيرة لتطبيقه على الأرض». وفي محاولة لتفسير الأمر، يشير إلى أنه «لا يمكن أن نتناسى أن أجور العاملين في إسرائيل أعلى من الأجور التي يتلقاها العمال أنفسهم عندما يعملون في الأراضي الفلسطينية».
كذلك يتحدث منصور عن مشكلة البطالة الفلسطينية. ولفت إلى أن هذه المشكلة المزمنة ترتبط بسياسات الحكومة الاقتصادية التي وصفها بالخاطئة، لكون الحكومة تتصرف كأننا في فلسطين لدينا دولة وفيها كل هذه القوانين والتشريعات. ولم ينس منصور التذكير بتعثّر جهود مقاطعة البضائع الإسرائيلية في الأسواق الفلسطينية التي توفر لإسرائيل أربعة مليارات دولار سنوياً، رغم وجود البدائل الفلسطينية عموماً لكل شيء.
فلو توقف العمال عن العمل في المستوطنات، فإن الاستيطان سيتوقف بطريقة أو بأخرى، وبالتالي سيتحقق «شرط السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات»، وخصوصاً أن إسرائيل جرّبت كافة أنواع العمالة الوافدة «من الآسيويين وغيرهم» ولم تنجح. كذلك فإن وقف العمالة الفلسطينية في المستوطنات سيوقف الدعم للاحتلال بعشرات آلاف الدولارات يومياً، لكن المشكلة على ما يبدو تكمن في عدم تمكن السلطة الفلسطينية من تدبر أمر هؤلاء العمال «مالياً».
من جهته، أوضح المحلل الاقتصادي خليل العسلي لـ«الأخبار» أن الحل للتخلص من العمالة الفلسطينية في المستوطنات يكمن في تشريع قانوني العمال والتقاعد، بحيث لو وجدت البطالة يستطيع العامل تقاضي راتب بسيط يعتاش منه، مرتبط بإعادة تأهيله للعمل في السوق المحلي بمهنة متوافرة. كذلك أشار إلى أن العدد الأكبر من عمال المستوطنات هم من الريف الفلسطيني، وبالتالي لو جرى تشجيع استصلاح الأراضي وزراعتها، ووجدت الاستثمارات في هذا القطاع، لعاد كل هؤلاء العمال للعمل في أراضيهم، والأراضي الفلسطينية عامة.
ويشير العسلي أيضاً إلى قطاع الصناعة غير المتوافر في فلسطين، «فنحن لا يوجد لدينا صناعات ثقيلة، وقد يكمن الحل للقضاء على عمالة المستوطنات من خلال إعادة إحياء المناطق الصناعية المتوقفة حالياً في الأراضي الفلسطينية وبحاجة إلى قرار سياسي، من الجانب الإسرائيلي أولاً، ثم الجانب الفلسطيني لطرحها للاستثمار».
كذلك يتحدث المحللون الاقتصاديون عن ضرورة معالجة مشكلة التفاوت في الأسعار بين البضائع الفلسطينية والإسرائيلية. فبينما يكتوي الفلسطيني بنار الأسعار والغلاء الفاحش، يصل سعر كيلو الدجاج، على سبيل المثال لا الحصر، في إسرائيل إلى خمسة شواقل، بينما يباع بأكثر من ضعفه في فلسطين، ما يجعل من الفلسطيني فريسة سهلة للبضائع الإسرائيلية.
وفي السياق، يرى العسلي أنه لا يمكن أن يتوقف الاقتصاد الفلسطيني عن الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي، إلا في حالة واحدة، وهي فتح البوابة الشرقية لفلسطين «الأردن»، وفتح الأسواق العربية للاستيراد والتصدير، لكن البداية تكمن في أننا لا نسيطر على الحدود، وبالتالي لا نملك معابر برية وبحرية للتحرك بحرية. لكن يبقى الأهم في نظر الكثيرين أن يتحمل الشارع الفلسطيني مسؤوليته للبحث عن «استراتيجية وطنية حقيقية، سياسية واقتصادية» ومحاولة فك الارتباط بكل ما هو إسرائيلي.



يرى المحلل الاقتصادي المقدسي خليل العسلي أن السوق الفلسطيني هو أكبر الأسواق للمنتجات الإسرائيلية، لعدة عوامل، أهمها قربه وسهولة الدخول إليه، وعدم امتلاك القوانين الكافية للسيطرة على الأمر، وبالتالي فإن عدد المستهلكين الفلسطينيين للمنتج الإسرائيلي في ازدياد مستمر. ويصف المستثمرين الفلسطينيين بـ«أنهم يستغلون شعار الوطنية لتسويق منتج باهظ الثمن، وقليل الجودة»، رغم وجود منافسين آخرين هما المنتج الإسرائيلي والأجنبي.