وطنية البنت... عيب!
صحيح إذاً ما أخبرتني به. الحواجز هي لغتنا الفلسطينية الأصيلة. بدءاً من حواجز الحدود، وانتهاءً بأخرى صنعناها بأيدينا. ما إن تتعرف إلى أحدهم، حتى يبادرك بالسؤال، وحتى قبل أن يقول «فرصة سعيدة»: من أي بلد؟!
لا، ليس السؤال ليُحدّثك بلغة ذاك البلد المعروف بلهجته الخاصة، ولكن ليفرزك في عقله: أأنت لاجئ إلى هنا، أم أنك مواطن؟
كيف أقولها لكِ؟ فلسطين الكبيرة فينا، أضحت علباً صغيرة في دواخلنا، كعلب هدايا بابا نويل. كل واحدة تحمل شيئاً مختلفاً. لم أنسَ أن أُخبركِ يا صديقتي لماذا لم أذهب مع أصدقائي للمشاركة في تظاهرات 15 آذار لإنهاء الانقسام الفلسطيني؛ ففي الحقيقة، لقد خجلت من قول الحقيقة. فببساطة شديدة، لم أذهب ولم أشارك لأن أبي ليس مُقتنعاً بـ... وطنية البنت! نعم، ففيما رفض ذهابي، لم يشترط شيئاً على ذهاب أخي!
من يومها، أنا أنتظر أي مناسبة تجعلني أكبر عن قرارات هذا المجتمع الذكوري الصلف. وها أنا أُناضلُ على طريقتي. ألبسُ كوفيتي، وأقرأ دواوين محمود درويش تحت السرير، وأستمع إلى أغاني مارسيل خليفة بسماعات الأذن خاصتي بعد أن ينام الجميع.
كيف تكون الوطنية عيباً في هذا العصر؟ كيف تكون مشاركة الفتاة في التظاهرات إهداراً لأنوثتها أو مخالفةً لها!
وتلك النسوة اللواتي صنعن تاريخاً لفلسطين ولغيرها من الجروح الغائرة في الوجدان، هل كنّ ملائكة بجناحين لا يمسسنَ الأرض أو التراب، أم هُنّ مثاليات لدرجة أن فتاة بسيطة مثلي لا يمكنها مجاراتهن؟ هل يقول الإسلام ذلك؟ ماذا عن نساء عصر رسولنا محمد اللواتي شاركن في المعارك تارة، وبآرائهن دائماً، بتشجيع من النبي الكريم، فكن مستشاراتٍ وراوياتٍ ومُرشدات؟!
لا الدين، ولا القانون، ولا التاريخ يقول بأنّ على المرأة أن تكون ربة منزل فقط، وأنه عند هذه المهمة، تنتهي كافة مهماتها، أو أنها خُلقت لتلد وتُربي الأجيال فقط، ولها بيتان: واحد في الدنيا هو منزلها، والآخر هو قبرها حين تموت!
إن من يقول هذا ينتمي إلى فئة تمتهن تحريف الحق وتزييفه! فئة أكل عقلها الخوف والتجهم. فئة هي لا شك تريد وأد البنات، تماماً كما كانت الجاهلية تفعل، لكن بطريقة «عصرية» في البيوت وبين الأولاد.
غزة ـــ أماني شنينو

وإنتي مالك بهالشغلات؟

ما تقولينه صحيح. هناك دائماً في حياتنا مواقف قد نمرّ بها، منها ما هو مضحك، ومنها ما هو مبكٍ، ومنها ما هو الاثنان في واحد كما حصل معك. ما الذي يعنيه والدك بمنعك من الذهاب إلى التظاهرة؟ أخوك ذاهب أيضاً، يعني كان من الممكن للوالد أن يتركك تذهبين. كثيراً ما نسمع ما يصدم حين يختص الأمر بفلسطين الحبيبة، والأوضاع التي يعيشها الفلسطينيّون في الشتات. عليّ بالطبع أن أخصّ بالذكر الفلسطينيّات تحديداً. ففي هذه البقعة من الكرة الأرضيّة اعتاد الناس اعتبار الفتاة رمزاً للضعف، لا بل إنّ البعض ـــــ حتى يومنا هذا ـــــ يرى أنّ مكانها الوحيد هو بيتها، واهتمامها يجب ألا يقتصر إلّا على من فيه من زوج وأولاد وعائلة. لكني يا صديقتي سأشدد على كلمة «البعض». فليس الجميع هكذا والحمد لله.
هذا في «الجملة»، أمّا في «المفرّق»، فالفتاة الفلسطينيّة تواجه الكثير من التحديات في حياتها اليوميّة، وحتّى العاطفيّة. أحياناً تضطرّها الظروف إلى التخلّي عن أحلامها ومبادئها والقبول بأن تكون مجرّد فتاة عاديّة لكثرة الضغوط ولتضافر القريب والبعيد على اختصارها لمجرد فتاة يجب أن «تنستر». فالفتاة الفلسطينيّة لم تكن يوماً مجرّد فتاة عاديّة؛ فلديها قضية لا تحيد عن ناظريها في كل مراحل حياتها: عندما تدرس، عندما تعمل، عندما تربي أطفالها على الهدف الأسمى، هي استرجاع فلسطين، وبالطبع عندما تشارك في كل نشاط وطنيّ، وتحث أولادها بناتٍ وصبياناً على المشاركة. ليأتيَ في المقابل، أحد الشباب بحجّة الحبّ، ويقول لها بكلّ بساطةٍ: «بس إنت صبيّة، مالك بهالشغلات! اهتمّي بقلبك مش بإشي تاني، أنا بحبّ الاستقرار ما بحبّ المشاكل، إذا بدّك تعيشي معي هيك؟ يا هلا...».
فتردّ باستغرابٍ وصدمة: «إذا كنت صبيّة، مش لازم تعنيني فلسطين؟! فلسطين هيّ قلبي وحياتي. أنا عايشة مشانها. كَوني بنت بيمنعنيش أفكّر وأشتغل عشان بلدي. في كثير بنات قدّموا عشان فلسطين الكثير: دلال المغربي، أم كامل، ليلى خالد، ريم الريّاشي وحتّى إمّي ...لا شكراً، فش نصيب»!.
البداوي ـــ تانيا نابلسي