خاص بالموقع واشنطن | يسود اعتقاد في أوساط خبراء ومحللين معنيين بقضايا المنطقة بأن التحركات الغربية والعربية المكثفة بشأن إيجاد حل للأزمة السورية تشير إلى أن الوضع يتجه نحو تبني شكل من أشكال التدخل العسكري في سوريا، حيث يشير هؤلاء إلى أن حملة الضخ الإعلامي غير المسبوق ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد، والتي يترافق معها تبني سياسة ضغط وعزل دولي وعربي، تعيد إلى الأذهان السياسة ذاتها التي اتبعت ضد حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والتي أدت الى شن الولايات المتحدة وما سمّي تحالف الراغبين حرباً أدت الى احتلال العراق وتدميره وسلبه استقلاله وسيادته ودفعه إلى أتون صراع مذهبي وأنشطة تقسيمية.
ويرى هؤلاء أن ثمة حكومات عربية وغربية تحاول فعلاً الآن وضع استراتيجيات من أجل التعامل مع معطيات الأزمة السورية، تعتمد على إيجاد سبل لتقوية صفوف المعارضة السورية، من بينها تقديم الدعم للجيش السوري الحر كخطوة تسبق التدخل العسكري، الذي سيكون أحد مظاهره الأولية تنفيذ عمليات سرية داخل سوريا.
وفي هذا الصدد، كشفت شبكة التلفزيون الأميركية «سي أن أن» أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والقيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة العربية بدأت مراجعة داخلية أولية للقدرات العسكرية الأميركية، إلى جانب الخيارات المتاحة في العمل ضد سوريا. غير أن اثنين من كبار المسؤولين الأميركيين، لم تفصح الشبكة عن هويتهما، أكدا أن السياسة الأميركية حتى هذه اللحظة لا تزال تدعو إلى استخدام التدخل غير العسكري. وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس «قبل أن نبدأ الحديث عن الخيارات العسكرية، فإننا نريد بقوة أن نستنفد كل وسائل الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي التي لدينا».
وقال مصدر أميركي مطلع إن مجلس الأمن القومي الأميركي أعلن اعتزام البيت الأبيض البحث عما سمّاه «المخرج الرئاسي للأزمة السورية»، والذي قد ينطوي على أمر تنفيذي يجيز العمل السري كخيار سياسي للخروج من المأزق الحالي، غير أنه لم يتضح بعد ما إذا ما الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قرر اتخاذ تلك الخطوة المحفوفة بالمخاطر والتوقيع على قرار في هذا الصدد. وقال أوباما في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركي «إن بي سي» يوم الأحد الماضي «أعتقد أن من المهم للغاية بالنسبة إلينا محاولة حل هذه (الأزمة السورية) بدون اللجوء إلى تدخل عسكري خارجي، وأعتقد أن هذا أمر ممكن».
غير أن العسكريين الأميركيين بدأوا النظر في ما يمكن عمله والبحث في أفضل السبل العسكرية والقدرات التي بحوزة الولايات المتحدة في المنطقة. وقال مسؤول في البنتاغون إنهم يراقبون عن كثب تطورات الوضع في سوريا من أجل وضع بعض الأفكار بشأن الخطوات المقبلة.
ويشير مراقبون إلى أن مهمة التدخل العسكري في سوريا، إذا ما تقررت، ستناط بمسؤول القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جيمس ماتيس، الذي سيضع تفاصيل الخطة. ويبدو أن ماتيس قد بدأ بالفعل جولة استطلاعية بهذا الشأن، بدأها بزيارة السعودية، حيث التقى يوم الأربعاء وزير الدفاع السعودي، سلمان بن عبد العزيز، ورئيس الأركان السعودي، الفريق حسين بن عبد الله القبيل.
من جهته، قال الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي أي إيه»، روبرت بير، إن «الحكومة الأميركية لا تعلم حتى الآن ما الذي يجب فعله حيال الأزمة السورية، فهي لا تريد أن تقف وراء عملية تطهير عرقي لطائفة العلويين، التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، حتى لا تلقي بظلال سلبية على لبنان».
وأشارت الحكومتان البريطانية والفرنسية حليفتا الولايات المتحدة إلى عدم رغبتهما في القيام بدور مباشر في سوريا، على غرار ما حدث في ليبيا العام الماضي، عندما أمدّت بريطانيا المعارضين الليبيين بمعدات غير قتالية. ونقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن ضابط سابق في الاستخبارات البريطانية قوله في هذا الصدد إن «أية تدخلات خارجية في سوريا سوف يتصدرها أيضاً طابع عربي» كالذي تجلت به التدخلات الخارجية في ليبيا عندما لعبت قطر الدور العسكري الأكبر بمشاركة وحدات عسكرية تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة والأردن.
وقد واصلت واشنطن إرسال إشارات متضاربة إزاء إمكان تسليح قوات المعارضة السورية، بعد دعوة العضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ الأميركي، جون ماكين، إلى «إنشاء مجموعة اتصال حول سوريا وبناء تحالف يتولى متابعة الوضع فيها». ففي حين قال ماكين «يجب أن نبدأ بمراجعة كل الخيارات، بما في ذلك تسليح المعارضة، يجب أن يتوقف نزف الدم»، رد البيت الأبيض، الثلاثاء، بأنه لا يدرس احتمال تسليح قوات المعارضة السورية، بل يبحث في تقديم «مساعدات إنسانية للشعب السوري». وقال الناطق باسم البيت الأبيض، جاي كارني، «سنواصل العمل مع حلفائنا الدوليين لممارسة الضغط المطلوب ... وزيادة عزلة الأسد ونظامه». إلا أن الناطقة باسم وزارة الخارجية، فيكتوريا نولاند، لم تستبعد فرضية تسليح المعارضة «لا نطرح أي خيارات بعيداً عن الطاولة».
واستدركت بالقول «الرئيس ووزيرة الخارجية أوضحا تماماً أن المزيد من الأسلحة لسوريا ليس هو الحل، الذي يكمن في حوار وطني ديموقراطي، وبإنهاء العنف وسحب دبابات النظام من المدن، ومن ثم عودة المراقبين إلى استئناف مهماتهم».
ويتوقع الخبراء أن يكون لتركيا الدور الأكبر كلاعب خارجي في حل الأزمة السورية، موضحين أن تركيا قد أسهمت إسهاماً كبيراً في توفير ملاذ آمن لضباط الجيش السوري الحر، فضلاً عن استضافتها اجتماعات المجلس الوطني السوري. كذلك تعتزم استضافة مجموعة اتصال بشأن سوريا بين عدد من الدول العربية والغربية، التي أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن باريس تتشاور بشأن إقامتها في مسعى للتوصل إلى حل للأزمة بعد الفيتو الروسي ـ الصيني، والذي ترتب عليه تجميد العملية السياسية، وبالتالي إضعاف فرص الحل السلمي، وتوسيع دائرة العنف والإفراط في استخدام القوة.
كذلك يرجحون أن يدعم النظام الأردني عملاً عسكرياً ضد سوريا، وذلك بدفع قبائل وعشائر أردنية، منتشرة على طول الحدود الأردنية السورية، إلى مد المعارضة السورية بالسلاح في حال حصول الأردن على مساندة «مبطنة» من دول الخليج الأكثر ثراءً في المنطقة.
ويرى مراقبون أن تأمين دعم إغاثي عاجل «مالي وعيني» للشعب السوري يساعده على الصمود والاستمرار في معركته، آخذين في الحسبان أن المعركة ستطول قليلاً، ويعزز من ضرورة التحرك بفاعلية على تلك المحاور، إدراك الحكومة السورية استحالة التدخل العسكري الدولي المباشر في أراضيه نظراً إلى عوامل جغرافية، أهمها إسرائيل، والخوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة تهدد المنطقة بأكملها.
كذلك تدرك الحكومة السورية حقيقة المخاوف الغربية والعربية من الحل العسكري وإمكان تدحرج كرة اللهب لتشمل إيران والخليج ومضيق هرمز، حيث تمر أغلب ناقلات النفط العالمية، فضلاً عن حزب الله في جنوب لبنان وحدود إسرائيل الشمالية. وتدرك الحكومة السورية أيضاً عدم توافر الشروط اللازمة للتدخل العسكري الدولي من قبل حلف شمالي الأطلسي، ومن أهمها: ضرورة وجود قرار دولي من مجلس الأمن يتيح إمكان التدخل ويضفي عليه الشرعية القانونية الدولية «المرجعية الإقليمية والدولية»، وضرورة وجود مساندة إقليمية لهذا التدخل، ووقوع حالة من الضرر على الدول الأعضاء في الحلف.
ورغم ذلك، يبقى خيار التدخل الدولي قائماً ولو بشكل غير مباشر في مراحل لاحقة من خلال تقديم دعم عسكري للمعارضة وتسهيلات ربما تأتي عن طريق حدود تركيا، العضو في حلف شمالي الأطلسي.
ويمكن في حال تطور الأمور لمصلحة المعارضة السورية على الأرض، اللجوء الى عمليات نوعية تسهل عمليات ما يسمّى الجيش السوري الحر، وتلحق قدراً من الهزيمة النفسية بالحكم السوري. ومع الإقرار باستبعاد التدخل العسكري من حلف شمالي الأطلسي، فإنه يمكن البدء بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري والاتصالات للمعارضة السورية بشتى أطيافها. لهذا، يبدو حسم الوضع في سوريا معتمداً بشكل أساسي على التطورات الجارية على الأرض في الداخل.