... ووصلت عدوى التغيير الى «حماس». في خضمّ التبدّلات السياسية والاستراتيجية الحاصلة في العالم العربي، سجّلت حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية، أولى إشارات التغيير الحاصل في المنطقة، حتى لو لم تعلن بعد عن أي تحوّل جذري في تركيبتها أو سياستها. البعض أشار الى أن الحركة الفلسطينية تبدو «في مأزق التفتيش عن راع جديد»، والبعض الآخر «ربط هوية الحركة وبروز الاخوان المسلمين في المنطقة وتأزم الوضع في سوريا بالتبدلات الحاصلة في أدائها»، وآخرون أقرّوا بتغيّرات جوهرية طرأت أخيراً على «حماس»، لكنهم أبقوا على الحذر من نواياها و«خطر استخدامها السلاح ضد اسرائيل مجدداً في أي وقت».

كيف يمكن قراءة جولات مشعل الأخيرة على عواصم المنطقة؟ ماذا عن زيارته التاريخية الأخيرة للأردن؟ بعد سوريا، أين سيكون مقرّ الحركة الجديد؟ ماذا بعد إعلان «حماس» انضمامها لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»؟ هل هي جادة في تبنّي المقاومة الشعبية؟ كيف ستنهي ارتباطها بإيران؟ وهل ستصطدم مع حركة الجهاد الاسلامي؟ هذا بعض ما طرحه الصحافيون الاميركيون والفرنسيون في محاولات لفهم تحركات «حماس» الأخيرة وربطها بتغيرات المنطقة. أما الثابت الوحيد عند معظم هؤلاء فهو «أن «حماس» تريد أن تتأقلم مع ما أنتجه «الربيع العربي» من تحولات وتندمج مع حكم الإسلاميين الذي ساد في أكثر من بلد لتلقى ترحيباً بينهم من دون أن تسبب لهم أزمة مع الغرب عموماً ومع والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً».
بداية، مع زيارة خالد مشعل إلى الأردن برعاية قطرية ولقائه الملك عبد الله الثاني، بعد قطيعة استمرت ١٢ عاماً. ستيفن فاريل، في «نيويورك تايمز»، وجويل غرينبرغ، في «واشنطن بوست»، قرآ الزيارة من وجهتي النظر الأردنية والحمساوية. بالنسبة إلى فاريل «الأردن تريد أن تعيد إحياء علاقتها بحماس نظراً لكون الأخيرة حليفة «الاخوان المسلمين» الذين وصلوا الى الحكم في أكثر من بلد مجاور، إضافة الى نيّة الأردن لعب دور محوري في المنطقة، وخصوصاً في الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني». غرينبرغ يضيف الى ذلك «أن تقرّب ملك الأردن من «حماس» سيهدّئ الجبهة الداخلية الاردنية ومعارضة الاخوان المسلمين له». وينقل مراسل «واشنطن بوست» في القدس المحتلة عن المحلل السياسي الاردني رضوان عبد الله قوله إن «الاردن، وفي ظل غياب مصر وتدهور وضع سوريا، تريد أن تملأ الفراغ فتلعب دور الوسيط في المصالحة الفلسطينية وفي الصراع الاسرائيلي ــ الفلسطيني وفي الحركة الدبلوماسية التي ستنشط مع تراجع التأثير الايراني في المنطقة».
الصحافيان الاميركيان يلفتان الى «سعي ملك الاردن من جهة اخرى الى عدم فقدان ثقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من هنا يمكن فهم الزيارة التاريخية للملك عبد الله الى الضفة الغربية في تشرين الثاني الماضي، مؤكداً أن الممثل الشرعي للفلسطينيين يبقى عباس». كما يجمع الصحافيان على أن «الاردن تسعى أيضاً الى تطمين الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل إلى أنها لن تمدّ يدها الى منظمة مصنفة إرهابية. من هنا الإشارة الواضحة في البيان الملكي الصادر بعيد الزيارة والتي تقول إن الحل الوحيد امام الفلسطينيين هو بالمفاوضات مع الاسرائيليين برعاية دولية».
أما من وجهة النظر الحمساوية، فيشير فاريل الى أن «الحركة تريد أن تنأى بنفسها عن ارتكابات الرئيس بشار الأسد الدامية الاخيرة لكن من دون أن تستفز النظام السوري ولا إيران الداعم المالي والسياسي القوي لها». وعن العلاقة الحالية بالنظام السوري، يؤكد غرينبرغ أنها «تدهورت رفض المسؤولين في حماس دعم الأسد في مواجهة التحركات الشعبية التي قامت ضده». وفيما يشير المقالان الى أن مشعل «غادر دمشق نهائياً»، لا يحددان أين سيكون مقرّه الجديد. فاريل ينقل عن بعض المحللين قولهم إن قياديي «حماس» سيتوزعون على البلدان المجاورة: «مشعل في قطر، موسى أبو مرزوق في مصر، والباقون بين عمّان وبيروت ودمشق، حيث سيتواجدون بصفة شخصية».
«مغادرة سوريا تتماشى مع تغيير في نموذج «حماس» اعتمده مشعل أخيراً بالابتعاد عن الحملات العنفية ضد إسرائيل»، ينقل مقال «التايمز» عن أحد المحللين.

نحو التغيير أو هرباً من مأزق

ماذا عن التغيير في «حماس» وهل هناك فعلاً نواة لـ«حماس جديدة» ستنبثق مع العالم العربي الجديد؟ «هل لانت حماس؟»، يسأل ناثان براون من معهد «كارنيغي» للأبحاث، ويجيب: «لا، أقلّه ليس بعد».
ورغم إصراره على أن لا شيء محسوماً بعد في تغيّر سلوك الحركة الفلسطينية، يلاحظ براون عدداً من إشارات التحوّل عندها، ومنها: الانضمام الى «منظمة التحرير»، الانتقال الى المقاومة الشعبية الأقلّ عنفاً، انفتاحها على المصالحة الوطنية، سعيها الى بناء نفسها كمنظمة «الاخوان المسلمين في فلسطين»...
لكن براون يصف تلك التحولات بـ«الخطوات الصغيرة جداً، نحو التبدّل الجذري»، وخصوصاً أن «محاولات حماس الداخلية والخطوات التي اتخذتها تجاه الحياة السياسية الفلسطينية، ليست نهائية ولا يمكن الجزم بأنها لن تلغى ويعتمد عكسها». الباحث في الشؤون الفلسطينية، محتار وسبب حيرته، ما سماها «الاشارات المتناقضة التي ترسلها حركة حماس» مثلاً: وصفها المصالحة مع «فتح» بـ«الخيار الاستراتيجي» وإبداء رغبتها في الانضمام الى «منظمة التحرير» ودعوات قادتها الفصائل الفلسطينية إلى الاتفاق على برنامج سياسي موحد وخطة مشتركة تطالب باعتماد المقاومة الشعبية، لكن من جهة اخرى «حماس» لن تتخلى عن النضال المسلح ولن تغيّر رأيها فيه. يعزو براون التناقض في أداء الحركة الى تشعبها الداخلي وتوزعها الجغرافي وتفرّق قادتها بين غزة ودمشق وفي السجون الاسرائيلية وفي بعض الدول العربية... لكن براون يشير الى أن «السياسة التغييرية الجديدة يقودها خالد مشعل حالياً». يخلص المحلل في مقاله بالاشارة الى أنه «من المبكر جدا القول إن حماس ستغيّر مبادئها الجوهرية فتتقبل إسرائيل وتتخلى عن العنف المسلح. ربما تفعل لكن بعد عدّة سنوات عندما يحصل تبدّل أساسي في أيديولوجيتها».
«هي استراتيجية ذكية، تلك التي اعتمدتها حماس مع تصاعد الازمة السورية»، يقول ريكاردو بوكو، المتخصص في شؤون الشرق الاوسط لصحيفة «لو موند» الفرنسية. بوكو يتابع «استراتيجية حماس تبدو أذكى من تلك التي يعتمدها حزب الله تجاه الأزمة السورية والعلاقة مع نظام الأسد، وهذا سيصبّ في مصلحة صورة الحركة وعلاقاتها مع الدول العربية وحتى على الصعيد الدولي».
جان فرانسوا لوغرين، المتخصص بحركة «حماس»، يضيف في هذا المجال أن «السياسة المتحركة التي يقودها مشعل بنسج علاقات جيدة مع قطر، تعيد له القدرة على التنقل التي حرم منها لسنوات، من دون أن ننسى المنافسة التي تستعر اليوم داخل الحركة لكسب الداخل الفلسطيني».

أين إيران في كل ذلك؟

بول شام في «ذي ناشيونال إنترست» الأميركية لا يرسم سيناريو وردياً لـ«حماس»، على العكس، هو يضعها في «مأزق» التفتيش عن راع جديد «بعد أن أبعدت نفسها عن الحاضن السوري والداعم الايراني». شام يقول إن «حماس»، «تجد نفسها أيضاً اليوم في مواجهة متصاعدة مع «حركة الجهاد الاسلامي» داخل غزة، «والتي باتت مدعومة من قبل إيران». ما العمل؟ هل ستتجه «حماس» الى الاردن؟ أو الى مصر؟ يسأل الكاتب ويردف «علماً أنها لن تستطيع إطلاق صواريخها باتجاه إسرائيل من أراض تربطها اتفاقيات سلام مع الاسرائيليين».



الرئيس الفلسطيني... خالد مشعل!

أسئلة كثيرة دارت حول شخص رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، في الفترة الاخيرة. هل ترك مقرّ الحركة في دمشق نهائياً؟ الى أين سيتجه؟ ماذا عن أخبار استقالته من منصبه السياسي على رأس الحركة؟
«أنا أعرفه جيداً، عندما يقول إنه من الممكن ألا يترشح لمنصب، يعني أنه سيترشح. وهو يريد فقط أن ينزل الناس الى الشارع يطالبون به على رأس الحركة»، يشير المحلل السياسي الأردني لبيب قمحاي لصحيفة «نيويورك تايمز»، والذي لا يستبعد أن يحافظ مشعل على منصبه القيادي في «حماس» تمهيداً لمنصب رئاسة السلطة الفلسطينية. مقال «لو موند» لا يستبعد أيضاً «الطموحات الرئاسية عند مشعل. ومن هنا يمكن فهم سلوكه المعتدل والمنفتح على الآخرين في الداخل والخارج. هو يلعب دور الحمامة، من خلال تحركات دبلوماسية لا ينعم بها القياديون الموجودون في غزة». خالد مشعل يخلف محمود عباس؟ «لم لا؟» يضيف المقال الفرنسي، «ما دام لا خلف لعباس من فتح لغاية الآن».