القاهرة | «لا كورة نفعت ولا أونطة»، بذلك كانت أغنية الشيخ إمام «رجعوا التلامذة» تحيي وعي الطلبة في السبعينيات من القرن الماضي في انتفاضتهم ضد الرئيس المصري أنور السادات، في إشارة إلى سعي الإعلام الرسمي للتعتيم على وعي الشباب عبر الاهتمام المبالغ فيه بكرة القدم، اللعبة الشعبية الوحيدة تقريباً في مصر.
لكن الكرة ليست أونطة في ثورة القرن الجديد، إذ كانت روابط تشجيع أندية كرة القدم في مصر منذ اليوم الأول من الثورة عاملاً حاسماً في نجاحها، بتنظيمها المدهش الهائل في عهد مبارك، الذي خلا تقريباً من التنظيمات الكبيرة، وعدائها الأصيل للشرطة. هذا الدور للألتراس شجع قطاعاً واسعاً من الرأي العام على ما يبدو على تبني تفسير لـ«موقعة بور سعيد» في أعقاب مباراة فريقي الأهلي والمصري، التي تجاوز عدد ضحاياها إلى الآن السبعين شهيداً. ويرى جزء من الرأي العام أن الشرطة، ومن خلفها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، دبرت، أو على الأقل تواطأت، مع مرتكبي المذبحة للانتقام من ألتراس الأهلي.
وعلّق العضو البارز في حركة الاشتراكيين الثوريين، سامح نجيب، خلال ندوة نظمتها حركته، على الواقعة قائلاً: «إن المجلس العسكري يرد وبقوة على التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي تطالب بنقل السلطة إلى المدنيين»، فيما اعتبرت حركته في بيان لها الألتراس «فصيلاً مناضلاً بين الثوار».
أما الألتراس أنفسهم، فصوتهم غائب عن الإعلام تقريباً، بسبب القواعد الصارمة التي تفرضها المجموعات على أعضائها بمنع التعامل مع الصحافة. ولذلك فإن أحد أعضاء ألتراس الأهلي، الذي بالكاد وافق على الحديث مع «الأخبار»، شريطة عدم ذكر اسمه، شدد على أن «المذبحة مدبرة بكل تأكيد عقاباً لنا على دورنا في الثورة ... لكن على كل حال، فالعلاقات مع ألتراس النادي الزمالك أصبحت على ما يرام»، مشيراً الى تلك الأعداد من أعضاء المجموعة المنافسة التي شاركت الأهلي المنكوب تظاهرته الحاشدة أول من أمس، بعد ساعات من الحادث.
وبالمثل، قال عضو في ألتراس زملكاوي، طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه، إن «مذبحة كتلك جزء من ضريبة ينبغي على مجموعات الألتراس دفعها مقابل التزامها بمواصلة الثورة». وأضاف «لكن النظام يعادينا من قبل الثورة، فقط لأنه يخشى قدرة الشباب على تنظيم أنفسهم»، فيما تم التداول بعد ساعات من الحادثة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» ببيان نشرته مجموعة «ألتراس ميادين التحرير» أعلنت فيه استهداف «رأس المشير». وجاء في البيان «لا نريد سوى رأسك أيها المشير الخائن لذلك الوطن. كان بإمكانك أن تكتب اسمك بحروف من نور، لكنك تكبرت وظننت أن مصر وشبابها ممكن أن يعودوا خطوة إلى الخلف».
ووجه البيان اتهاماً صريحاً للمجلس العسكري بالوقوف وراء المأساة، بقوله «اليوم يا سادة، يرسل إلينا المشير وفلول النظام رسالة صريحة؛ ننقلب على الثورة أو يعاقبنا وينفذ فينا حكم الإعدام لمشاركتنا في ثورتنا ضد القمع والحريات». وأضاف «جريمة اليوم يا سادة ما هي إلا سلسلة جديدة من سلاسل جرائم النظام القمعي الذي يريد أن يقتل ثورة شباب مصر ويزيد عدد الشهداء، لكن لغباوته لا يعلم أن كل نقطة دم تنزف تزيد من الثورة اشتعالاً وإصراراً».
يشار إلى أن ألتراس الناديين الأبرز في مصر، الأهلي والزمالك، وهما خصمان تقليديان، كانا من بين أولى مجموعات الألتراس المصرية اللاتي نشأت في عام 2007، ولم يتوقفا عن التنديد بنظام الحكم بعد إسقاط رأسه، والانخراط في الفعل الثوري، الذي وصل إلى ذروته بعد اعتماد شعار «يسقط حكم العسكر» عنواناً للثورة المصرية.
ويكفي ملاحظة دور ألتراس الأهلي مثلاً في التظاهرات ضد السفارة الإسرائيلية في أيلول الماضي التي انتهت باقتحام مقر السفارة، وتظاهرته التي حاصرت مبنى وزارة الداخلية قبلها والتي انتزع مشاركون فيها شعار الوزارة – النسر – من على جدران المبنى رداً على اعتقال أعضاء في المجموعة، بخلاف مشاركتهم في اعتصام مجلس الوزراء، التي أدت الى استشهاد عضو منهم.
أما أسوأ ما لاقته الشرطة والمجلس العسكري معاً على أيدي الالتراس، فكان استعراضهم وهتافاتهم في مباريات كرة القدم التي تعدّ أحد أكثر أشكال الدعاية نجاحاً ضد المجلس العسكري، من قبيل «آه يا شرطة يا عسكرية طلعتوا كلاب زي الداخلية» و«سامع أم شهيد بتنادي كلاب العسكر قتلوا ولادي». دعاية تنجح ببساطة لكون الكورس عملاقاً ومنظماً ولا يمكن التعتيم عليه إعلامياً وإلا اضطرت الدولة إلى وقف بث المباريات... ومن ذا الذي يجرؤ على خطوة من هذا القبيل في البلد الذي تعد فيه الكرة والسجائر الوطنية الرخيصة والشاي... رفاهية الفقراء الوحيدة.
بدوره، لم يكن ألتراس زملكاوي أقل حدة تجاه الشرطة. وكانت أغنية «مش ناسيين التحرير» التي تحمل ألفاظاً نابية ضد الشرطة هي عنوان مقاومتهم ضدها. وسرعان ما أصبحت الأغنية أيقونة ثورية تتردد كلماتها على الألسن على سبيل السخرية من المؤسسة المكروهة، كما يكتب نصها على الحوائط.