افتتح في إسرائيل أمس المؤتمر السنوي الثاني عشر الذي يعقده معهد السياسات الاستراتيجية في «المركز المتعدد المجالات في هرتسليا»، والذي يعرف بمؤتمر هرتسليا. وينعقد المؤتمر هذا العام تحت عنوان «عين العاصفة: إسرائيل والشرق الأوسط»، في دلالة مباشرة على تمحوره حول التحولات التي تعصف بالمنطقة وانعكاساتها المحتملة على إسرائيل. وألقى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز كلمة الافتتاح، أعقبتها كلمة منقولة عبر التلفزة للأمير الأردني الحسن بن طلال، تلاه رئيس الحكومة اليونانية السابق جورج بباندريو، فرئيس البنك الدولي روبرت زوليك الذي قدم مداخلة تحدث فيها عن مستقبل الاقتصاد العالمي. ورسم بيريز صورة قاتمة للأوضاع الدولية والإقليمية، معتبراً أن «العالم بصورته المعروفة آخذ في الاختفاء، فيما صورته الجديدة لا تزال غير واضحة»، مشيراً إلى أن «أطراً دولية ضعفت، حكومات فقدت قوتها، والقومية إلى تراجع، فيما العالمية تهرول إلى الأمام». كذلك لفت بيريز إلى أن «هناك اقتصاديات راسخة تنهار فجأة من دون أي تفسير واضح، ومن دون حل واضح»، مضيفاً «لقد عدت للتو من مؤتمر دافوس، وهذه هي المرة الأولى التي كان في المؤتمر علامات استفهام أكثر مما كان هناك علامات تعجّب».
وإذ رأى أن إسرائيل «من الناحية السياسية غارقة في عالم قديم، عالم الأمس»، في سياق تطرقه إلى موقعها ضمن التغييرات العالمية، رأى بيريز أن لا أحد يعلم كيف ستنتهي الاحتجاجات التي شهدها العالم العربي، مشيراً إلى أن «قوى إسلامية متطرفة في كل من مصر وتونس قد صعدت إلى الحكم وعززت قوتها». وعن إيران، أكد بيريز أنها تطمح إلى التزوّد بأسلحة دمار شامل، داعياً إلى عدم استبعاد أي خيار في مواجهتها، واصفاً إياها بالخطر الوجودي.
من جهته، قدم رئيس المعهد، داني روتشيلد، وثيقة تضمنت تقييمه للوضع الإقليمي والدولي خالف فيها المنطق الإسرائيلي السائد بخصوص إيران، حيث شدد على وجوب عدم التعامل مع إيران النووية «كتهديد وجودي لإسرائيل أو أن يجري تظهيرها على هذا النحو». رغم ذلك، رأى الجنرال في الاحتياط أن «منع إيران من الحصول على سلاح نووي هو بالنسبة إلى إسرائيل مسألة حيوية من الدرجة الأولى»، معتبراً أن الخيار الأمثل لتحقيق ذلك هو دفع «الولايات المتحدة إلى مواجهة الوضع».
كذلك رأى روتشيلد أن تشديد العقوبات على إيران «لم يؤدّ بعد إلى ثنيها عن السعي إلى الهيمنة الإقليمية وتغيير تطلعاتها للحصول على سلاح نووي»، مقدّراً أن عزلتها الإقليمية المتأتية عن احتمال فقدان سوريا والتوتر القائم مع تركيا سيحثّانها على تعميق تغلغلها في العراق ودول الخليج.
دولياً، رأى روتشيلد أن «الولايات المتحدة تقوم بانعطافة استراتيجية من الشرق الأوسط باتجاه آسيا، والدول العظمى الجديدة في آسيا، إضافة إلى أن الصين والهند لا تبديان رغبة في التدخل في الشرق الأوسط، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة حدّة عدم الاستقرار الإقليمي ويتيح للإسلام الراديكالي تعزيز قوته». وعن علاقة تل أبيب بواشنطن، رأى روتشيلد أنها علاقة حاسمة، «وكان من شأن الهزّة في الشرق الأوسط أن تبرز حقيقة أن إسرائيل هي ذخر للولايات المتحدة، ولكن الأمر ليس كذلك. فالولايات المتحدة تعتبر إسرائيل وتحركاتها المحتملة خطراً استراتيجياً أكثر ممّا تنظر إليها كحليف استراتيجي». وخلص إلى أن إسرائيل من الناحية الاستراتيجية معزولة الآن أكثر مما كانت عليه خلال العقود الأربعة الأخيرة.
ومن المقرر أن تبحث ندوات المؤتمر، الذي يستمر ثلاثة أيام تنتهي غداً، في سلسلة من الأحداث الدراماتيكية والمسارات التأسيسية التي تمر بها المنطقة، والتي يُنظر إليها على أنها تمثّل نقاط تحوّل استراتيجية للواقع القائم. وبحسب إعلان المؤتمر، فإن جزءاً من هذه الأحداث والمسارات حصل على «عتبة البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، ومن شأنها أن تعيد صياغة أمنها القومي ومكانتها الدولية واستقرارها الإقليمي وميزان الحصانة الاقتصادية والاجتماعية داخلها». وسيركز المؤتمر على السياقات الأكثر أهمية وتداعياتها على إسرائيل والشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية العالمية، والتغييرات في الأنظمة العربية وصعود الإسلام السياسي. وستتخلل المؤتمر كلمات لعدد من الشخصيات الإسرائيلية، فضلاً عن مداخلة لكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، على أن يُختتم المؤتمر بكلمة للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون.