القاهرة | هجوم جديد نفّذه «المواطنون الشرفاء»، المصطلح الذي يستخدمه العسكر في وصف أنصاره، أمس، على المعتصمين أمام ماسبيرو، بعد ساعة تقريباً من كلمة ألقاها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، أمام عدد من جنوده، وخاطب فيها المصريين قائلاً «ثقوا بأنفسكم، وبمصر، وبالقوات المسلحة، التي لم تفرط أبداً بهذا الشعب وبهذا الوطن»، تزامناً مع تسريبات تقول إن المجلس العسكري وافق على تقليص الفترة الانتقالية وإجراء تسليم مبكر للسلطة. تسريبات تشير الى أن التظاهرات الحاشدة في الذكرى الأولى للثورة، ومن بعدها جمعة الغضب الثانية، قد نجحت في هزّ هيبة العسكر. ويرتقب أن يعقد اليوم المجلس الاستشاري، إحدى أكثر الجهات قرباً من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، اجتماعاً استثنائياً لصياغة اقتراحات في هذا الاتجاه. ورغم أن التسريبات الأولية تشير الى أن الاقتراحات المزمع إعدادها وتقديمها للمجلس العسكري لن تقدّم من موعد تسليم السلطة لرئيس منتخب إلا بواقع شهر واحد، من 30 تموز المقبل، كما سبق أن أعلن طنطاوي، الى 30 أيار، فإنها أول الغيث على ما يبدو، ولا سيما بعدما كان المجلس الاستشاري قد أعلن مراراً انحيازه لموعد تسليم السلطة السابق، وكان آخر تلك التصريحات بعد يوم واحد من تظاهرات ذكرى الثورة.
وقد أكد متحدث باسم المجلس الاستشاري أن المجلس سينتهي على الأرجح من صياغة تلك الاقتراحات خلال ثلاثة أيام. إلا أنه لا يزال يصر على ضرورة صياغة الدستور الجديد قبل انتخابات الرئاسة، بحسب مبادرة التوافق الوطني التي كان قد أطلقها المجلس، بدعوى ضرورة انتخاب الرئيس الجديد في ظل صلاحيات واضحة له وفقاً للدستور.
وقد كشف عضو في المجلس الاستشاري، طلب عدم ذكر اسمه في هذا الإطار، أن المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية وعضو المجلس الاستشاري، محمد سليم العوا، دعا خلال اجتماع الاستشاري والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الى إجراء انتخابات رئاسية قبل صياغة الدستور الجديد، خلافاً لمعظم أعضاء مجلسه.
واقتراحات المجلس الاستشاري هذه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن موقف المجلس العسكري نفسه؛ إذ جرى الكشف عنها بعد يوم من اجتماع ضم أعضاء المجلسين أول من أمس في مقرّ وزارة الدفاع، وفي اليوم نفسه الذي ألقى فيه طنطاوي بياناً بدا تصالحياً الى حد ما، حين وصف معارضيه فقط بـ«غير الفاهمين».
وقال رئيس المجلس العسكري، في حفل انتهاء فترة الإعداد العسكري والتدريب الأساسي لطلبة الكليات العسكرية والمعهد الفني، «أربأ بنفسى أن أقول إن هناك مصرياً خائناً، فهم ليسوا خونة، بل غير فاهمين». وأضاف إن «الشعب المصري عظيم، ومصر ستستمر عظيمة، ولن نسمح بأن يؤثر أحد على مصر ولا على المصريين».
وبالتوازي مع خطط المجلس العسكري، نفذ بلطجيته، أمس، هجوماً على اعتصام ماسبيرو،الذي بدأ ظهراً واستمر نحو ساعة، واستخدم المهاجمون فيه الحجارة، وزجاجات المواد الغازية الفارغة، وألقوا بها على المعتصمين، ما أوقع إصابات بين العشرات منهم.
وأكّد شهود عيان أن المهاجمين حضروا من ناحية حي بولاق أبو العلا خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون، وأرادوا من خلال هجومهم إجبار المعتصمين على فض اعتصامهم هناك، والعودة إلى ميدان التحرير. وقال شاهد إن المعتصمين استطاعوا ردّ الهجوم عليهم، إلا أن المهاجمين حاولوا تنظيم صفوفهم وعاودوا هجومهم أكثر من مرة. ونفى عدد من أهالي حي بولاق أبو العلا أن يكون الذين نفذوا الهجوم من منطقتهم، لافتين إلى أنهم سيقومون بحماية الاعتصام ومنع أي هجوم جديد.
في هذه الأثناء، لا يزال عدد من القوى السياسية مشاركاً في اعتصام ميدان التحرير ضمن فعاليات أسبوع استمرار الثورة، للمطالبة بتسليم السلطة. وقد ظهرت دعوة جديدة للتظاهر بميادين المحافظات غداً، تحت اسم «ثلاثاء الإصرار». ووجه الدعوة «اتحاد شباب الثورة» إلى الشعب المصري بالنزول للتشديد على استمرار الثورة ومطالبة العسكر بتسليم السلطة والقصاص من قتلة الثوار، ومن المتوقع أن تجد استجابة واسعة، وخاصة مع تزايد حالة الاحتقان في الشارع المصري من أداء المجلس العسكري.
وأكد بيان «اتحاد شباب الثورة» أنّ العسكر وقفوا ضدّ تنفيذ مطالب الثورة، وساعدوا علي صنع الأزمات وتخلّوا عن تنفيذ المطلب الرئيسي: «الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية». ولفت الى أن المجلس العسكري واجه مطالب الثوار بالعنف وقتلهم وسحلهم في مواقع عدّة وانتهج «نفس أسلوب النظام السابق في إدارة البلاد»، ما أدى إلى «تدني الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الأزمات».
في غضون ذلك، يعود النواب إلى مجلس الشعب غداً، بعد أسبوع من الغياب. ومن المفترض أن يحضر رئيس الوزراء كمال الجنزوري ووزراء الداخلية والعدل والصحة والتضامن الاجتماعي، للرد على استفسارات النواب حول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في ملف الشهداء والمصابين. وتشهد الجلسة أيضاً انتخاب اللجان داخل المجلس، والتي جرى تأجيلها الثلاثاء الماضي بعد انسحاب الأحزاب الممثلة في المجلس من انتخابات هيئات المكاتب للجان، احتجاجاً على هيمنة حزب «الحرية والعدالة»، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، على كل مناصب اللجان.
من جهة ثانية، بدأت أمس أول أيام انتخابات مجلس الشورى بـ 13 محافظة. وقال مراقبون إن اليوم الأول شهد إقبالاً ضعيفاً للغاية، وهو ما أرجعه عضو في اللجنة العليا للانتخابات الى «تركيز الناخبين على انتخابات مجلس الشعب دون الشورى، بالإضافة إلى الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد من عودة التظاهر مرة أخرى إلى ميدان التحرير، والذي أدى إلى لفت انتباه الناخب إلى متابعتها، بدلاً من اهتمامه بالانتخابات».
وحسب تعديل رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن انتخابات مجلس الشورى سوف تجرى على يومين، بدلاً من ثلاثة أيام. وفي حالة حدوث إعادة، فستجرى خلال يوم واحد. ويتكون مجلس الشورى من 270 عضواً يتم اختيار ثلثيهم بالاقتراع، والثلث الآخر بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية. وتقسم الدوائر الانتخابية فيه إلى 30 دائرة بالنظام الفردي و30 دائرة أخرى بنظام القائمة. ويكون الانتخاب على مرحلتين، الأولى تتضمن 13 محافظة، فيما تتضمن المرحلة الثانية 14 محافظة.