الجزائر | وجّهت وزارة الداخلية الجزائرية رسالة مكتوبة إلى المواطنين عبر الهواتف المحمولة طيلة الأيام الأخيرة تدعوهم إلى الإقبال على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، المقررة في شهر أيار المقبل. وجاء في نص الرسالة «إن وزارة الداخلية تعتبر التصويت فعلاً يعبّر عن المواطنة والمسؤولية». وجاءت الرسالة جافة مثلما هو جاف سلوك وزارة علاقتها بالناس كانت دائماً عبر الشرطة والبيروقراطية، وهما من أهم أوجاع الجزائريين المستعصي علاجها. لكن أصحابها يرون أن تكرارها لأسابيع عبر اقتحام يومي للهواتف يمكن أن يرفع مستوى الاهتمام بالانتخابات قبل بداية الإعداد الميداني. وبالفعل، وجدت الرسالة صدى واسعاً، لكنه جاء عكسياً، حيث تحولت منذ ساعات بثّها الأولى إلى نكتة شعبية تتردد في كل مكان، فصار من يدعو صديقاً لتناول قهوة أو شاي يقول له «تعال نمارس المواطنة والمسؤولية».
ويمثّل ضعف المشاركة في الانتخابات الهاجس الأكبر للسلطات الجزائرية قبل كل انتخاب. فالأرقام بيّنت تدنياً في المشاركة في الدورتين السابقتين، وسجلت مشاركة 45 في المئة عام 2002 وصولاً إلى 35.6 في المئة عام 2007 من المقترعين. ويخشى أن تتراجع هذه المرة إلى ما دون الثلاثين، في غياب حملة مركزة تقوم بها القوى السياسية لتجنيد قواعدها على الأقل للمشاركة.
وبالفعل جهّزت أحزاب عديدة قيادات أركان لبداية الحملة المسبقة لحثّ الناس على المشاركة، بصرف النظر عن المستفيد من أصواتها، وهو اتجاه ينسجم عموماً مع ما تبتغيه السلطة. بدورها، شرعت منظمات اجتماعية تابعة لأحزاب السلطة في شنّ حملة تعبئة للمشاركة، قابلتها حملة مضادة من جمعيات وشخصيات وحلقات ونواد تتعامل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدفع الجزائريين إلى المقاطعة بشعار «مقاطعة الانتخابات واجب وطني». ويستند دعاة المقاطعة، أو ما يسمّى «حزب المقاطعين»، وهو الأكبر على الإطلاق في الساحة الانتخابية منذ سنوات، إلى أن القوانين والهيئات التي تسيّر الانتخابات لم تتغيّر والنتائج بالتالي لن تتغير، وستكون صورة لسابقتها. كذلك يعتبرون المشاركة في الانتخابات تزكية للقوى السياسية التي مثّلت على الدوام واجهة قوى الحكم الحقيقي أو ما يسمّى في الجزائر عادة «دوائر القرار»، وهي المؤسسة الأمنية والعسكرية.
ومنذ بداية التعددية السياسية في البلاد، جرت أربع دورات انتخابية للبرلمان أفرزت نتائج تشترك في كون أغلبية المقاعد لا تعكس أغلبية الأصوات المعبّر عنها. ففي انتخابات 1991 حصدت جبهة الإنقاذ 41 في المئة فقط من أصوات الناخبين، ونحو 22 في المئة من مجموع المسجلين على اللوائح الانتخابية، لكنها نالت الغالبية المطلقة بما يعطيها نحو 84 في المئة من المقاعد. وقد ألغيت النتائج ودخلت البلاد في حرب طاحنة. ولم يتمكن التجمع الديموقراطي عام 1997 من جمع أكثر من 32 في المئة من أصوات الناخبين، وحصل على الأغلبية الكاملة، وتكرر المشهد مع جبهة التحرير الوطني عامي 2002 و 2007 حين نالت على التوالي 35 و23 في المئة من الأصوات وكسبت 61 في المئة و34 في المئة من المقاعد. فالقانون كما هو معدّ لا يعطي أي مجال للتغيير، لأنه وضع بذهنية الإقصاء، وحتى حين عجزت هذه الذهنية عن تمكين حزب السلطة من الفوز عام 1991 أفرزت حزباً معارضاً جذرياً مهيمناً بأغلبية مطلقة متمثلاً في جبهة الإنقاذ، من دون أن يحصل على نسبة نصف عدد أصوات الناخبين،
في «ديموقراطية الجزائر» يمكن الحصول على لقب «أكبر حزب في البلاد» واحتلال أغلبية مقاعد البرلمان دون الحاجة إلى أغلبية أصوات الناخبين. فالأحزاب الثلاثة التي تقف وراء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتحتكر كل مناصب الحكومة والهيئات الرسمية، لم تحصل مجتمعة على أكثر من 2.4 مليون صوت من مجموع سبعة ملايين ونصف مليون شاركوا في التصويت.